على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجٌر؟ قلت: أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرةً شجرةً، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلامًا. فإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: الحالُ في الحقيقة صفةٌ لصاحبها، فيكون المعنى: لو ثَبَت كونُ الأشجارِ المستقرَّةِ في الأرض التي بَحْرُها كالدَّواة يَمُدُّها أبحرٌ سبعةٌ أقلامًا. وهذا أبلغُ لاحتمالِ التّعريفِ في البحر على الأوَّلِ العهدَ، وهو الحِصَّةُ المعلومةُ عند المخاطَبِ فلا يَعُمّ، وإليه أشار بقوله: ((جَعَلَ البحرَ الأعظمَ بمنزلة الدَّواةِ)) بخلاف الإضافة والنِّسبةِ، فإنّها تَستَغرقُ جميعَ ما يُنسَب إليها، سواءً عَلِمَه المخاطَبُ أم لا. وأيضًا أن يَفرضَ الأبحُرَ الممدودةَ بها خارجةً ممّا هو فيها بخلاف الأوَّلِ.
قوله: (وتَقصِّيها شجرةً شجرةً)، الأساس: واستقصيتُ الأمرَ وتقصَّيتُه: بَلغْتُ أَقصاهُ في البحث عنه.
قوله: (ولا واحدِهِ) يروي بكسر الدّال والإضافة إلى ضمير الجِنْسِ، ويروي بالتاء وضمِّها، والأول أظهر من حيث اللفظ والمعنى. أما الأول: فإن الاستثناءَ مفرَّغٌ، وقوله: ((وقد بُرِيَتْ أقلامًا)) حال، والمذكورُ نكرةٌ لا يَصْلُحُ أنْ يكونَ ذا حال المُقَدَّر؛ لأنَّ التقديرَ حينئذٍ لا يبقى من جنسِ الشَّجرِ أفرادٌ ولا واحدةٌ بخلاف الأَوَّل، فإنَّ التقدير: لا يبقى من جنس الشَّجر البقيّةُ، ولا من واحدِ الجنس. وأمّا الثّاني: فإنّ قولَه: ((ولا واحدةٌ)) جيء به مؤكِّدًا لشمول الماهيَّةِ؛ أي لم تبق مِن هذه الحقيقة بقيَّة، ولا كذلك الأول لأنّ من نَفْيِ الفرد لا يَلزمُ نَفْيُ بقيَّةٍ منه، كلُّ هذه الفوائد إنّما تُستفادُ من جعل اسمِ ((أَنَّ)) موصولاً لا مبهمًا، ثمَّ البيان بالماهيّة وحَمْل أقلامٍ -وهو جَمعٌ- عليه كأنَّ هذا السؤالَ والجوابَ من تَتمَّةِ سؤاله السّابقِ؛ لأنّه سأل عن شيئينِ: عن الشّجرِ أقلاَمٌ وعن البحرِ مدادٌ، فأجاب عن الثاني وترك الأَوَّلَ.


الصفحة التالية
Icon