معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليًّا، أى: ناصرًا ينصركم ولا شفيعًا يشفع لكم. والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم، أى: ناصركم على سبيل المجاز؛ لأن الشفيع ينصر المشفوع له، فهو كقوله تعالى: (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ الله مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ فإذا خذلكم لم يبق لكم ولىّ ولا نصير)] البقرة: ١٠٧ [فإذا خذلكم لم يبق لكم ولٌّي ولا نصير.
[يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)] ٥ [
(الْأَمْرَ) المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرًا (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصًا كما يريده ويرتضيه إلا في مدةٍ متطاولة؛ لقلة عمال الله والخلص من عباده، وقلة الأعمال الصاعدة؛ لأنه لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يُنزِّله مُدبَّرًا) يريد أنَّ ﴿يُدَبِّرُ﴾ مضمَّن معنى: ينزِّل، حيثُ عدِّي بـ ((مِنْ)) و ((إلى))، وقُوبل بقوله: ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ﴾، فلا بدَّ من تقدير: يُنزِّل.
قوله: (إلا في مُدَّةٍ مُتطاوِلة) يعني: يراد بألف سنةٍ المدةُ المتطاولةُ لا التَّعيينُ والتَّوقيتُ.
قال القاضي: معنى ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾: ثم يَصعدُ إليه، ويثبتُ في علمه موجودًا؛ أي: أعمالُكم في بُرْهَةٍ من الزَّمان متطاولة، يعني بذلك استطالَة ما بينَ التَّدبيرِ والوُقوع، وإليه أشارَ المصنِّفُ: ((ولا يصعدُ ذلك المأمورُ خالصًا... إلاَّ في مدةٍ متطاوِلةٍ لقلَّة عمّالِ الله والخُلَّصِ)). ويَنصُر هذا التأويلَ الفاصلةُ، وهي قولُه: ﴿قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ﴾، فإنّها كالفاصلة السابقةِ؛ أي: ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾.
ولفظة ﴿ذَلِكَ﴾ في قوله: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ شاهدةٌ بذلك، كأنَّه قيل: ذلك الخالقُ المدبِّرُ الذي خَلَق الكائناتِ ودبَّر أمورَ العالمينَ، وخُصوصًا أمرَ أعمالِكُم، له العلمُ