وقيل: ينزل الوحى مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض. ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحى أو ردّه مع جبريل، وذلك في وقٍت هو في الحقيقة ألف سنة؛ لأن المسافة مسيرة ألف سنةٍ في الهبوط والصعود؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة سنة، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنةٍ في يوم واحد، وقيل: يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: يُنزِّل الوحيَ) سمّيَ الوحيُ أمرّا؛ لأنَّه منه كقوله تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [غافر: ١٥]، وهو قولُ قتادةَ والسُّدِّيِّ ومقاتلٍ. والعُروج: الصُّعودُ الحقيقيُّ، فيكون التّقديرُ: في يوم كان مقدارُ مسافةِ السَّيرِ فيه مسافةَ ألفِ سنة، ويَقرُب منه قولُه تعالى: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ [سبأ: ١٢].
قوله: (وقيل: يُدبِّر أمرَ الدُّنيا من السَّماء إلى الأرضِ)، قال صاحب ((المطلع)): هذا قول ابنِ عبّاس رضي الله عنه.
وفي رواية عطاءٍ: ينزِّل القضاءَ والقَدَرَ منَ السماءِ إلى الأرضِ ثم يَعرُج إليه؛ أي: يَرجِعُ إليه في يوم كان مقدارُه ألف سنةٍ ممَّا تَعُدُّون، وهو يومُ القيامةِ لأنَّ يومًا من أيام الآخرة مثل ألف سنةٍ من أيام الدنيا، ومعناه: ثمَّ يصير الحُكمُ فيما قضى وقدّر إليه يوم القيامةِ كقوله تعالى: ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود: ١٢٣].
فإن قلت: كيف التَّوفيقُ بين هذه الآيةِ وبينَ قولِه: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ [المعارج: ٤، ٥]؟
قلت: أمّا على الوجه الأوَّل فهو ما قال الإمامُ: ذلك إشارةٌ إلى امتداد نفاذِ الأمر، وذلك لأنَّ مَنْ نَفَذ أمرُه غايةَ النفاذِ وانقطعَ في يومٍ أو يومينِ لا يكون مثلَ مَنْ يَنفذ أمرُه سنين متطاولةً، يعني: يُدَبّرُ الأمرَ في زمانٍ يومٌ منه ألفُ سنةٍ، فكم يكونُ شهرٌ منه؟ وكم تكون سنةٌ منه؟ وكم يكونُ دهرٌ منه؟ وعلى هذا لا فرقَ بينَ الآيتينِ؛ لأنَّ المرادَ استطالةُ نَفاذِ الأمرِ،


الصفحة التالية
Icon