ذكر كفرهم بالإنشاء، أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر؛ وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة، لا بالإنشاء وحده، ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك، مبعوثين للحساب والجزاء، وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا. والتوفي: استيفاء النفس وهي الروح، قال الله تعالى: (الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ)] الزمر: ٤٢ [وقال: (أخرجوا أنفسكم)] الأنعام: ٩٣ [، وهو أن تقبض كلها لا يترك منها شيء؛ من قولك: توفيت حقي من فلان، واستوفينه؛ إذا أخذته وافيًا كاملًا من غير نقصان. والتفعل والاستفعال: يلتقيان في مواضع: منها: تقصيته واستقصيته، وتعجلته واستعجلته. وعن مجاهد رضى الله عنه: حويت لملك الموت الأرض، وجعلت له مثل الطست، يتناول منها حيث يشاء. وعن قتادة: يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة. وقيل: ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه، ثم يأمر أعوانه بقبضها.
[وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)] ١٢ - ١٤ [
(وَلَوْ تَرى) يجوز أن يكون خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه وجهان: أن يراد به التمني، كأنه قال: وليتك ترى، كقوله ﷺ للمغيرة: «لو نظرت إليها» والتمني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (للمُغيرة: ((لو نظرتَ إليها))) الحديث من رواية التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ عن المغيرةِ: أنَّه خَطبَ امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((انظرْ إليها إنَّهُ أحرى أنْ يُؤدَمَ بينكُما)).


الصفحة التالية
Icon