ذوق العذاب نتيجة فعلهم: من نسيان العاقبة، وقلة الفكر فيها، وترك الاستعداد لها. والمراد بالنسيان: خلاف التذكر، يعنى: أن الانهماك في الشهوات أذهلكم وألهاكم عن تذكر العاقبة، وسلط عليكم نسيانها، ثم قال: (إِنَّا نَسِيناكُمْ) على المقابلة، أى: جازيناكم جزاء نسيانكم. وقيل: هو بمعنى الترك، أى: تركتم الفكر في العاقبة، فتركناكم من الرحمة، وفي استئناف قوله: (إنا نسيناكم) وبناء الفعل على (إن) واسمها تشديد في الانتقام منهم. والمعنى: فذوقوا هذا أى: ما أنتم فيه من نكس الرءوس والخزي والغم؛ بسبب نسيان اللقاء، وذوقوا العذاب المخلد في جهنم؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لعَدَم المشيئةِ المسبَّب عن سَبْق الحُكم بأنَّهم من أهل النارِ، ولا يدفعُه جَعْلُ ذَوْقِ العذابِ مسبَّبًا عن نِسْيانِهمُ العاقبةَ وعَدَمِ تَفكُّرِهِم، كأنه من الوسائط والأسبابِ المقتضيَينِ له.
قوله: (تشديدٌ في الانتقام) مبتدأٌ، والخبرُ: ((في استئناف))، كأنه لمّا قيل لهم: ذُوقوا عذابَ الخِزْي والغَمِّ بسَببِ تَرْكِ الاستعدادِ ليوم التَّنادِ، قالوا: فما حُكمُنا بعدَ هذا الخِزْي هل يَرحَمُنا، ويكشفُ عنّا هذا الغَمَّ والخِزْيَ؟ فقيل لهم: ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ أي: نخزيكم جزاءَ نسيانِكُم بالحرمانِ من الرَّحمةِ وبإذاقة ما هو أشدُّ من الخِزْي، وهو العذابُ السَّرْمَدُ، وأخرج الكلامَ إلى الماضي المحقَّقِ، وصُدِّرت الجملةُ بـ ((إنّ))، وعطف الطَّلَبيّ على الخَبَريّ تشديدًا للانتقامِ منهم.
قوله: (والمعنى: فذُوقوا هذا، أي: أنتم فيه من نَكْس الرُّؤوس والخِزْي) إشارةٌ إلى أنّ مفعول ﴿فَذُوقُوا﴾: ((هذا))، وكذا قدَّرَ أبو البقاء أيضًا، والمشارُ إليه معنى قولِه: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ﴾، ويَستلزمُهمُ الخِزْيُ والغَمُّ.


الصفحة التالية
Icon