و (ما أخفي لهم)، و (ما نخفى لهم)، و (ما أخفيت لهم)؛ الثلاثة للمتكلم، وهو الله سبحانه. و (ما): بمعنى: الذي، أو بمعنى أى. وقرئ: (قرّة أعين) و (قرات أعين). والمعنى: لا تعلم النفوس كلهنّ ولا نفس واحدة منهنّ؛ لا ملك مقرب ولا نبىّ مرسل أىّ نوع عظيم من الثواب ادخر الله لأولئك وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو؛ مما تقر به عيونهم، ولا مزيد على هذه العدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال الزَّجّاج: بالإسكان معناه: ما أُخْفِي انا لهم؛ إخبارًا عن الله تعالى، وبالفتح على تأويل الفعل الماضي، ويكون اسمُ ما لم يسم فاعلُه ناب عنه ما في ((أخفي)) من ذكر يعودُ إلى ((ما)).
قال أبو البقاء: ﴿مَّا﴾ استفهاميةٌ، وموضعُها رفعٌ بالابتداء، و ﴿أُخْفِيَ لَهُم﴾ خَبرُه على قراءة من سكنها وجعل ((أُخفي)) مضارعًا تكون ((ما)) في موضع نصب بـ ((أخفي))، ويجوز أن تكون بمعنى ((الذي)) منصوبة بـ ((تعلم)).
قوله: (و ((من قرّات أعين)))، قال ابن جِنِّي: هي قراءةُ النبيِّ ﷺ وأبي هريرة وأبي الدَّرداء وابنِ مسعود، والقرَّة: مصدرٌ، وقياسُه أن لا يُجمعَ؛ لأنَّ المصدرَ اسمُ جنسٍ، والأجناسُ أبعَدُ شيءٍ عن الجمعيَّةِ، لكن جُعِلت القُرَّةُ هاهنا نوعًا فجاز جَمعُها، كما تقول: نحن في أشغالٍ وبيننا حروبٌ. وحَسَّنَ الجمعَ أيضًا إضافتُه إلى لفظ الجماعةِ-أعني ﴿أَعْيُنٍ﴾ - فقولنا: أشغال القوم أشبه من أشغال زيدٍ، ولا يُحتقر في هذه اللغةِ الشَّريفة تجانسُ الألفاظِ.
قوله: (ممَّا تَقرُّ به عُيونُهم) بيانُ أيِّ نوع عظيم من الثَّواب هذا في مقابَلَة قولِه: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ [الزُّمَر: ٤٨] وقولِهِ: ﴿وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزُّمَر: ٤٧].


الصفحة التالية
Icon