سمعت ولا خطر على قلب بشٍر، بله ما أطلعتهم عليه. اقرؤوا إن شئتم: (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين)»، وعن الحسن رضى الله عنه: أخفى القوم أعمالًا في الدنيا، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
[أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَاوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَاواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وعن الحسن: أخفى القومُ أعمالاً في الدُّنيا، فأخفى الله تعالى لهم ما لا عينٌ رأتْ ولا أُذنٌ سَمعتْ)، هذا يؤذن بأنَّ الفاءَ في قوله: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ﴾ رابطةٌ لِلاحقةِ بالسابقة، مرتّبة لها عليها تَرتُّبَ في قوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ﴾، وكان الأصلُ: تتجافى جُنوبُهم عن المضاجعِ يدعُون ربَّهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون، فلا يعلمون ما أخفي لهم، فيَجزيهم الله الجزاءَ الأوفى؛ بشهادة قوله: ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فوضع النَّفسَ موضع الضَّميرِ ونكَّرها تنكيرَ تفخيم، لو وصفت بكلِّ وصفٍ ما بلغ هذا المبلغ، ثمَّ رُوعيت المناسبةُ في قوله: ﴿مَّا أُخْفِيَ لَهُم﴾ حيث أَبْهَمَ الجزاءَ، ولم يعيِّنِ الفاعلَ تعظيمًا له.
وفيه أنَّ ذلك الإنفاق غيرُ الواجب، وأنَّ هذه الأعمالَ هي أبوابُ الخير، وبها تُنال الزُّلْفى عند الله والدَّرجاتُ العالية.
ويَعضُدُه ما روينا عن التِّرمذيِّ، عن معاذ قلت: يا رسولَ الله، أخبرني بِعَملٍ يُدخلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني من النّار. قال: ((لقد سَألْتَني عن عظيم، وإنَّه ليَسيرٌ على من يَسَّرَه الله، تَعبُدُ الله ولا تُشركُ به شيئًا، وتُقيمُ الصَّلاة، وتُؤتي الزَّكاة، وتَصومُ رمضان، وتَحجُّ البَيت))، ثمَّ قالَ: ((ألا أدُلُّك على أبوابِ الخيرِ))؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: ((الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدقةُ تُطفِئُ الخَطيئَةَ كما يُطفِئ الماءُ النَّارَ، وصَلاةُ الرَّجلِ في جَوفِ اللَّيلِ شِعارُ الصَّالحينَ)) ثم تلا: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾.


الصفحة التالية
Icon