فنزلت عامّة للمؤمنين والفاسقين، فتناولتهما وكل من كان في مثل حالهما. وعن الحسن بن على رضي الله عنهما: أنه قال للوليد: كيف تشتم عليًّا وقد سماه الله مؤمنًا في عشر آيات؟ وسماك فاسقا؟.
[وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ)] ٢٢ [
(ثم) في قوله: (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها) للاستبعاد. والمعنى: أنّ الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل، والفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل والعدل، كما تقول لصاحبك: وجدت مثل تلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (فنزلت عامَّةً للمؤمنينَ والفاسقينَ، فتَناوَلَتْهما وكلَّ مَن في مِثلِ حالهِما)، قال صاحب ((الانتصاف)): ذَكَر السَّببَ المحقَّق، والمراد بالفاسِقِ وبالذين فَسَقوا: الكُفّارُ، وأَدْرَجَ فيها المؤمنين تعصُّبًا لمذهبه في وُجوب خُلودِ الفُسّاقِ.
وقال صاحب ((الإنصاف)): ولم يَشْفِ في الجوابِ، فإنَّ الاعتبارَ بعُموم لفظِ الآيةِ لا بخُصوصِ سَبَبِها، والفِسْقُ يُطلق على المؤمن؛ لقوله تعالى: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ [الحُجُرات: ١١]، و ((فاسقًا)) نكرةٌ في الشرط فيَعُمّ. والجوابُ الصَّحيحُ تَسليمُ العُمومِ وتَخْصِيصُه بالآياتِ والأخبارِ الدّالةِ على اعتبار الطّاعةِ وحُصولِ الشَّفاعَة.
وقلت: ما أنصَفَ ولا انتصَفَ من صاحب ((الانتصاف)) حيث سَلَّم العُموم، وقال: ﴿فَاسِقًا﴾ نكرةٌ في الشرط فيَعُم. أمَا نَظَر إلى نَظيرتِها: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، أو إلى المُجْمَلِ: ﴿أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا﴾ ليقيد المُطْلَقَ بالكافِرِ؟ وأمَا اعتَبَر الفاصلةَ: ﴿ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ ليَعلَمَ أنَّ المؤمنَ لا يُكذِّبُ بالآخرة؟ وأمَا تأمَّلَ النَّظْم وتعقيبَه بقوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾.


الصفحة التالية
Icon