[وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)] ٢٣ - ٢٥ [
(الْكِتابَ) للجنس، والضمير في (لِقائِهِ) له. ومعناه: إنا آتينا موسى عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال محيي السُّنة: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ من المشركين، ولا ارتيابَ أنَّ الكلامَ في ذمِّ المعرضِينَ، وهذا الأسلوبُ أذمُّ لهم من ذلك؛ لأنه يُقرّرُ أن الكافرَ إذا وُصِف بالفِسْقِ والظُّلم والجرمِ حُمِلَ على نهاية كُفره وغايةِ تمرُّدِه؛ لأنَّ هذه الآيةَ كالخاتمةِ لأحوالِ المكذِّبِينَ القائلين: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾.
والتَّخلُّص إلى قصَّة الكَليمِ عليه السَّلامُ مَسْلاةٌ لقلب الحبيبِ ﷺ يعني: آتيْنا موسى مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقَّيْناه مثل ما لقَّيناك، وكما جعلنا المنزَّل عليه هدّى لقوم صبروا، كذلك نجعل كتابك هدًى ونورًا لمن يصبرُ، وكما جعلنا كتابَه مختلفًا فيه كذلك نجعل كتابك مختلفًا فيه، وكما أهلَكْنا المَعرِضِينَ نُهْلِك هؤلاء ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ﴾ [السجدة: ٢٦] ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء: ٧٧]، ويؤيِّده قولُ المصنِّفِ: ((والضمير في ﴿لَهُمْ﴾ لأهلِ مكَّةَ)).
قوله: (﴿الْكِتَابَ﴾ للجنس) إنَّما دعاه إلى اعتبار الجنسِ؛ لأنَّ الضَّميرَ في ﴿لِقَائِهِ﴾ راجعٌ إليه، ولا ارتياب أنَّ عَيْنَ ذلك الكتابِ مالقاه، كأنَّه قيل: ولقد آتينا موسى ما يُقال له: الكتاب، فلا تكن في شك من أنك لقيتَ مثله.
قال مكِّيّ: وقيل: الهاءُ تعود على ما لاقى في موسى؛ أي: فلا تكُ في مريةٍ من لقاء ما لاقى موسى من قومه من الأذى والتَّكذيبِ، ويجوز أن تعودَ على الكتاب، أضاف المصدرَ إلى المفعول؛ أي: من لقاء موسى الكتاب، وأضمَر موسى لتقدُّم ذِكْرِه.


الصفحة التالية
Icon