السلام مثل ما آتيناك من الكتاب، ولقيناه مثل ما لقيناك من الوحى، فلا تك في شك من أنك لقيت مثله ولقيت نظيره، كقوله تعالى: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ)] يونس: ٩٤ [ونحو قوله: (مِنْ لِقائِهِ) وقوله: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)] النمل: ٦ [وقوله: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً)] الإسراء: ١٣ [. وجعلنا الكتاب المنزل على موسى عليه السلام (هُدىً) لقومه (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ) الناس ويدعونهم إلى ما في التوراة من دين الله وشرائعه، لصبرهم وإيقانهم بالآيات. وكذلك لنجعلنّ الكتاب المنزل إليك هدًى ونورًا، ولنجعلنّ من أمّتك أثمة يهدون مثل تلك الهداية؛ لما صبروا عليه من نصرة الدين، وثبتوا عليه من اليقين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلت: على أن تعود الهاءُ إلى ما لاقى، فالفاءُ مثلُها في قول الشاعر:

ليسَ الجَمالُ بِمئزرٍ فاعلَمْ وإنْ رُدِّيت برْدا
دَخلت على الجملة المعترضة بدلَ الواوِ اهتمامًا بشأنها؛ لأنَّ قولَه: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى﴾، إلى آخر الآية عطفٌ على قوله: ﴿آتَيْنَا﴾ وجعل كونهم أئمَّةً وهُداةً معللان بالصَّبر والإيقانِ في المعتَرِض فيه، ثم نهاه عن الامتراءِ في لقاء ما لاقوا منَ الأذى والصَّبر اقتداءً بهم؛ لقوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠].
قوله: (فلا تَكُ في شكٍّ من أنك لقيتَ مثلَه) هذا معنى الفاء في ﴿فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ﴾ يعني: معرفتك بأنَّ موسى نبيٌّ مرسلٌ وأُوتَي التَّوراة، ينبغي أن تكون سببًا لإزالة الرَّيب عنك في أن المنزَّلَ عليك قرآنٌ وكتابٌ وإنا اخترناك كما اخترناه، ونبتليكَ بمثل ما ابتليناهُن ولهذا قال كقوله: ﴿فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤].


الصفحة التالية
Icon