هذه الآية، وقوله: (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ)] الأحزاب: ٤٠ [. وقيل: كان أبو معمر رجلا من أحفظ العرب وأرواهم، فقيل له: ذو القلبين. وقيل: هو جميل بن أسد الفهري، وكان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد، فروى أنه انهزم يوم بدر، فمرّ بأبى سفيان وهو معلق إحدى نعليه بيده والأخرى في رجله. فقال له: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب. فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلىّ، فأكذب الله قوله وقولهم، وضربه مثلًا في الظهار والتبني. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: كان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وأرْواهم)، وهو مِنَ الرواية، أي: أكثرُهم رِواية.
قولُه: (فأكذَبَ اللهُ قَوْلَه وقَوْلَهم وضرَبَه مَثَلاً في الظِّهارِ والتبنِّي)، أي: قَوْلَ جميلٍ: إنّ لي قلبَيْن، وقَوْلَ مَنْ وافَقه من العربِ، ويشهَدُ ما رواه مُحيي السنة عن الزُّهْري ومُقاتلٍ: هذا مَثَلٌ ضرَبَه الله عزَّ وجلَّ للمُظاهِرِ من امرأتِه وللمُتَبنِّي ولَدَ غيرِه يقول: فكما لا يكونُ لرجلٍ قَلْبان، كذلك لا تكونُ امرأةُ المظاهِر أُمَّه، ولا يكونُ أحدٌ ابنَ رجُلَيْن. وإنّما قُلْنا: إنّ المرادَ بقَوْلِهم ما وافَقوه فيه؛ لِما قالَ مُحْيي السنّة: فعَلِموا يومئذٍ أنه لو كان له قلبانِ لما نَسِي نَعْلَه في يده.
وقالَ الزجّاج: رُوِيَ أنّ عبدَ الله بنَ حَنْظَلٍ قال: إنّ لي قلبَيْن، أفْهَمُ بكُلِّ واحدٍ منهما أكثرَ مما يعقِلُ محمد، فأكْذَبَهُ الله تعالى فقال: ﴿اجَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ [الأحزاب: ٤]، ثم قرنَ بهذا الكلامِ ما يقولُه المُشركون مِمّا لا حقيقةَ له.
وقلتُ: فعلى هذا المذكوراتُ الثلاثُ بجُمْلتِها مَثَلٌ فيما لا حقيقةَ له، ثمَّ ذَيَّلَ الكُلَّ بقوله: ﴿اللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾.
وقال صاحبُ ((الانتصاف)): وأسَدُّ ما ذُكِرَ فيه: أنّهم كانوا يَدَّعونَ لابنِ الحَنْظلِ قلبَيْن،