المنافقون يقولون: لمحمد قلبان، فأكذبهم الله. وقيل: سها في صلاته، فقالت اليهود: له قلبان: قلب مع أصحابه، وقلب معكم. وعن الحسن: نزلت في أن الواحد يقول: نفس تأمرنى ونفس تنهاني. والتنكير في "رجل"، وإدخال "من" الاستغراقية على (قلبين) تأكيدان لما قصد من المعنى، كأنه قال: ما جعل الله لأمة الرجال ولا لواحد منهم قلبين البتة في جوفه. فإن قلت: أى فائدة في ذكر الجوف؟ قلت: الفائدة فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنفى الله صحَّة ذَلك، وقَرنَه بأقاويلهِم الباطلةِ وهي جَعْلُهم الأدعياءَ أبناءً، والزوجاتِ أمهات، ففي الأولِ لزِمَ قيامُ أحدِ المعنَييْن بالآخَر كالعِلْمِ والجهْل، والأمنِ والخوْف، وأما الثاني فالزوجةُ في مَقامِ الامتنان، والأمُّ في مَقامِ الإكرام، وأما الثالثُ فإنَّ البُنُّوَّةَ أصالةٌ والدَّعْوةَ عَلامةٌ عارضةَ، فالكلُّ مُتناف.
قال القاضي: ما جَعَلَ قلبَيْنِ في جَوْف؛ لأنّ القلْبَ معدِنُ الروحِ الحَيَوانيِّ المتعلِّقِ بالنَّفَس الإنسانيِّ أوّلاً، ومَنْبعُ القُوى بأسْرِها، وذلك يمْنَعُ التعدُّدَ؛ لأدائِه إلى تناقُضٍ، وهو أن يكونَ كلٌّ منهما أصلاً لكلِّ القُوى، وغَيْرَ أصل.
قولُه: (فقالتِ اليهودُ: له قَلْبان)، رَويْنا عن الإمام أحمَد بنِ حَنْبلٍ والتِّرمذيِّ عن ابنِ عباسٍ: قيلَ له: ما عنى الله تعالى بقولِه ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾. قال: قامَ النبيُّ ﷺ يومًا يُصلِّي فخَطرتْ خَطْرةٌ، فقالَ المُنافقونَ الذين يُصلُّونَ معه: ألا ترون أنّ له قلبَيْن: قلبًا معكم وقَلبًا معهم؛ فنزلَتْ.
قولُه: (ما جعلَ اللهُ لأمّةِ الرجالِ ولا لواحدٍ منهم قلبَيْن البتَّة)، لعلّه ذهبَ إلى أنّ الأصلَ: ما جعلَ اللهُ لأحدٍ من الرجالِ قلبَيْن في جَوْفِه فقولُه: لرجلٍ وُضِعَ موضعَ أحدٍ بوَساطةِ التنكير، وقَدَّر لأمةٍ منَ الرجالِ باستعانةِ ((من)) الاستغراقيةِ نَحْوَ قولِه تعالى: ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢].


الصفحة التالية
Icon