الحق، وهو قوله: (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)، وبين أن دعاءهم لآبائهم هو أدخل الأمرين في القسط والعدل. وفي فصل هذه الجمل ووصلها من الحسن والفصاحة ما لا يغبى على عالم بطرق النظم. وقرأ قتادة: (وهو الذي يهدى السبيل). وقيل: كان الرجل في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على الحصرِ فإنَّ عنْدَه مِثْلُ هذا التركيبِ مُفيدٌ للتخصيصِ، كما مَرَّ في قولِه ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [الرعد: ٢٦] وأمثالِه.
قولُه: (وفي فَصْلِ هذه الجُمَلِ ووَصْلِها من الحُسْنِ والفَصاحةِ ما لا يَغْبى على عالمٍ بطريقِ النَّظْم)، يعني: في إخلاءِ العاطفِ وتوسيطهِ بين الجُمَلِ من مُفْتَتحِ السورة إلى هاهنا موضعُ تأمّل. وبيانُه: أنَّ الأوامرَ والنهْيَ في قولِه: ﴿تَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ ﴿واتَّبِعْ﴾، ﴿وَتَوَكَّلْ﴾: وارداتٌ على نَسَقٍ عجيبٍ وتَرتيبٍ أنيق؛ فإنّ الاستهلالَ بقولهِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ دالٌّ على أنّ الخطابَ مُشتملٌ على التنبيهِ على أمرٍ مَعْنيٍّ بشَأنه لائحٍ فيه معنى التهييجِ والإلهابِ، ومِنْ ثمَّ عَطَفَ عليه: ﴿وَلَا تُطِعِ﴾ كما يُعْطَفُ الخاصُّ على العامِّ، وأرْدَفَ النَهْيَ بالأمرِ على نحوِ قولِك: لا تُطِعْ مَنْ يخذُلُك واتَّبعْ ناصِرَك، ولا يبعُدُ أن يُسَمّى بالطردِ والعكْس. ثُمَّ أمرَ بالتوكُّلِ تشجيعًا على مخالفةِ أعداءِ الدينِ، والتجاءً إلى حَريمِ جلالِ الله ليكفيَه شرورَهم، ثُمَّ عقَّبَ كلاًّ من تلك الأوامرِ على سبيلِ التتميم والتذييلِ بما يُطابقُه، وعَلَّل قولَه: ﴿وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ تتميمًا للارتداعِ؛ أي: اتّقِ الله فيما تأتي وتَذّرُ في سِرِّك وعلانِيتِك؛ لأنه عليمٌ بالأحوالِ كُلِّها يجبُ أن تحذَرَ مِنْ سَخَطِه، حكيمٌ لا يُحِبُّ متابعةَ حبيبهِ أعداءَه، وعَلّل قوْلَه: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ بقولِه: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ تتميمًا أيضًا؛ أي: اتَّبعِ الحقَّ ولا تَتَّبعْ أهواءهم الباطلة وآراءَهم الزائغةَ؛ لأنّ الله يعلَمُ عَملَكَ وعَمَلَهم فيُكافِئُ كُلاًّ بما يستحِقُّه.
وذَيَّلَ قولَه: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ تقريرًا وتوكيدًا على