..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جاءَ في التفسيرِ: إني خُلِقْتُ قبْلَ الأنبياءِ وبُعِثْتُ بَعْدَهم، فعلى هذا لا تقديمَ في الكلامِ ولا تأخير، ومَذهَبُ أهلِ اللغة: أنّ الواوَ معناهُ الاجتماع، وليس فيها دليلٌ أنَّ المذكورَ أوّلاً معناه التأخير. وقال صاحبُ ((الانتصاف)): ليسَ التقديمُ في الذِّكْرِ مقتضيًا ذلك؛ ألا ترى إلى قولِ الشاعر:

بهَا ليلُ مِنهم جعفرٌ وابنُ أُمِّه عليٌّ، ومنهم أحمَدُ المُتخَيِّرُ
خَتَم به تشريفًا، فالسرُّ في تقديمهِ أنه هو المخاطَبُ بهذا، والمُنزَّلُ عليه هذا المَتْلُوُّ، وكان أحقَّ، ثمّ جرى ذكْرُ الأنبياءِ بعْدَه على الترتيب.
وقلتُ: إنّما يٌقالُ مقدَّمٌ ومؤخَّرٌ للمُزالِ لا للقارِّ في مَكانه، ثُمّ لم يكُنِ التقديمُ إلا للاهتمامِ بحَسْبِ اقتضاءِ المقامِ، والواوُ لا مَدْخَلَ له في الاعتبار، فإنَّ الأنبياءَ المذكورينَ بعْدَه ﷺ مُرتَّبون على حَسَبِ تقدُّمِهم في الزمان، وكانَ ينْبغي تأخيرُه لذلك، ولابد لهذهِ المخالفةِ مِنْ فائدةٍ جَليلة، وكَوْنُه مُقدَّمًا بحَسبِ الفَضْل، وأنّه أقدَمُ الأنبياءِ خَلْقًا كما قال الزجاج؛ شَرَفٌ لا مَطْمَحَ وراءه.
روَيْنا عن الترمذيِّ، عن أبي هُريرةَ قال: قالوا: يا رسولَا لله متى وجَبتْ لك النبوة؟ قال: ((وآدَمُ بين الروح والجسد)) زاد رَزين: ((وآدَمُ مُنجَدِلٌ في طينتهِ بين الروح والجسد)).
والمقامُ يقتضي ذلك؛ لأنه سبُحانه وتعالى جعلَ مُفتتحَ السورةِ وبراعةَ استهلالِها خِطابَه بذكْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو أفضَلُ خطابٍ من جانبِ ربِّ العِزّة كما مرَّ، ثمّ معاقِدُ هذه


الصفحة التالية
Icon