بذلك الميثاق ميثاقًا غليظًا. والغلظ: استعارة من وصف الأجرام، والمراد: عظم الميثاق وجلالة شأنه في بابه. وقيل: الميثاق الغليظ: اليمين بالله على الوفاء بما حملوا. فإن قلت: علام عطف قوله: (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ)؟ قلت: على (أخذنا من النبيين)؛ لأن المعنى: أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين (وأعد للكافرين عذابا أليما). أو على ما دل عليه (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ)، كأنه قال: فأثاب المؤمنين وأعدّ للكافرين.
[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ الله بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)] ٩ - ١١ [
(اذْكُرُوا) ما أنعم الله به عليكم يوم الأحزاب، وهو يوم الخندق (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُود) وهم الأحزاب، فأرسل الله عليهم ريح الصبا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نصرت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على رؤوسِ الأشهاد، ثمّ المآلُ إلى ما أعدّ الله لهم؛ أي من النَّكالِ والعذابِ الأليم؛ لَكَانَ أَحْسَنَ.
قال صاحبُ ((التقريب)): ﴿أَعَدَّ﴾ عَطْفٌ على ﴿أَخَذْنَا﴾ أو على ما دل عليه ﴿لِيَسْئَلَ﴾، وهو: فأثابَ المُؤمنين وكذا عن القاضي.
قولُه: (وقيل: الميثاقُ الغليظُ: اليمينُ بالله)، يعني: بَعْدَما أخذَ من النبيِّين الميثاقَ بتبليغِ الرسالةِ أكّد باليمينِ بالله على الوفاءِ بما حُمِّلوا، فعلى هذا لا يكونُ تكريرًا.
قولُه: (فأرسلَ الله)، وفي ((مسندِ الإمامِ أحمدَ بنِ حَنْبل)): عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ قال: قُلْنا يوْمَ الخندَق: يا رسولَ الله، هَل مِنْ شيءٍ نَقولُه، فقد بلغَتِ القلوبُ الحناجرَ؟


الصفحة التالية
Icon