قضاء النحب؟ قلت: وقع عبارة عن الموت؛ لأنّ كل حى لا بدّ له من أن يموت، فكأنه نذر لازم في رقبته، فإذا مات فقد قضى نحبه، أى: نذره. وقوله: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) يحتمل موته شهيدًا، ويحتمل وفاءه بنذره من الثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: فما حقيقة قوله: (صَدَقُوا ما عاهَدُوا الله عَلَيْهِ)؟ قلت: يقال: صدقنى أخوك وكذبني؛ إذا قال لك الصدق والكذب. وأمّا المثل: "صدقنى سنّ بكره" فمعناه: صدقنى في سن بكره، بطرح الحار وإيصال الفعل؛ فلا يخلو (ما عاهَدُوا الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ويحتَمِلُ وفاءَه بنَذْرهِ منَ الثباتِ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فيه حَزازة، لأنّه لما أجابَ عن معنى قَضاءِ النَّحْبِ بأنّه كِنايةٌ عن الموتِ لم يحسُنْ هذا التقسيم.
الراغب: النَّحْبُ: النَّذْرُ المحكومُ بوجوبه، يُقال: قضى فلانٌ نَحْبَه؛ أي: وَفّى بنَذْرهِ قال تعالى ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣]، ويُعَبَّرُ به عَمَّنْ مات كقَوْلِهم: قضى أجلَه، واستَوْفى أُكْلَه، وقَضى من الدنيا حاجتَه. والنحيبُ: البكاءُ الذي معه الصوت.
قولُه: ((استَوْفى أُكْلَه)): كنايةٌ عن انقضاءِ الأجلِ، والأُكْلُ: اسمٌ لما يُؤكَلُ، بضَمِّ الكافِ وسُكونِه، ويُعَبَّرُ به عن النصيبِ، يقال: فُلانٌ ذو أُكلٍ من الدنيا.
قولُه: (صَدَقَني سِنَّ بَكْرِه)، قال الميداني: البَكْرُ: الفتيُّ من الإبلِ، يُقال: صدَقْتُه الحديثَ وفي الحديث، يُضْرَبُ مثلاً في الصدق. وأصْلُه: أنّ رجلاً ساومَ رجُلاً في بَكْرٍ فقال: ما سِنُّة؟ فقال صاحبُه: بازِلٌ، ثم نَفَر البَكْرَ له صاحبه: هِدَعْ هِدَعْ، وهذه لفظةٌ تُسَكَّنُ بها الصِّغار من الإبلِ، فقال المُشتري: صَدقني سِنَّ بَكْرِهِ، ونُصِبَ على معنى: عَرَّفَني سِنَّ بكره ويجوزُ أن يُقالَ: صَدَقَني خَبَرَ سِنٍّ، ثم حَذفَ المُضافَ، ويُروي: ((صَدَقني سِنُّ)) بالرفعِ،


الصفحة التالية
Icon