بعثني الله مبلغًا ولم يبعثني متعنتًا". فإن قلت: ما حكم التخيير في الطلاق؟ قلت: إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت نفسي، أو قال: اختاري نفسك، فقالت: اخترت، لا بد من ذكر النفس في قول الخير أو المخيرة؛ وقعت طلقة بائنة عند أبى حنيفة وأصحابه، واعتبروا أن يكون ذلك في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض، واعتبر الشافعي رحمه الله اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية، وهو مذهب عمر وابن مسعود. وعن الحسن وقتادة والزهري رضى الله عنهم: أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره، وإذا اختارت زوجها؛ لم يقع شيء بإجماع فقهاء الأمصار. وعن عائشة رضى الله عنها: خيرنا رسول الله ﷺ فاخترناه ولم يعده طلاقًا. وروى: أفكان طلاقا؟ وعن علىّ رضى الله عنه: إذا اختارت زوجها: فواحدة رجعية، وإن اختارت نفسها: فواحدة بائنة. وروى عنه أيضًا: أنها إن اختارت زوجها فليس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما اختَرْت، فقال: ((إنّ الله لم يبعَثْني مُعنِّفًا، ولكنْ بعَثَني مُعلِّمًا مُيسِّراً، لا تسألنَّ امرأةٌ عما اختَرْتِ إلا أخبرتُها)).
أوقَعَ ((مُتعنِّتاً)) مقابِلاً لقولِه: ((مُبلِّغاً))، فيجبُ التطابقُ بينهما من جهةِ التضاد. والتعنُّتُ: تَفعُّلٌ من العَنَتِ، أي: الفسادِ والمشقَّة والهلاكِ والإثْمِ والخطأ. والتفعُّلُ والاستفعالُ يَلْتقيانِ في مواضعَ، يُقال: تعجَّلْتُه وتقصَّيْتُه واستقصَيْته، والنبيُّ ما بُعِثَ لطلبِ ذلك وإنَّما بُعِثَ لزَفْعِها وإزالتِها.
المُغِرب: أعْنتَه إعناتًا: أوقَعَه في العَنَتِ فيما شقَّ عليه، ومنه: تَعنَّتَه في السؤالِ إذا سأله على جهةِ التلبيسِ عليه، والتلبيسُ ممّا يُنافي الإبلاغ.
قولُه: (إذا اختارَتْ زوجَها فواحدةٌ رجْعِيةٌ وإن اختارَتْ نَفْسَها فواحدةٌ بائنة)، قال القاضي: تعليقُ التسريحِ بإرادتِهنَّ الدنيا وجَعْلُها قسيمًا لإرادتِهنَّ الرسولَ ﷺ يدلُّ على أن


الصفحة التالية
Icon