وللتقوى الطهر؛ لأنّ عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها ويتدنس، كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات. فالعرض معها نقى مصون كالثوب الطاهر. وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولى الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه، ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به. و (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النداء، أو على المدح. وفي هذا دليل بين على أنّ نساء النبي ﷺ من أهل بيته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وفي هذه الاستعارة ما يُنفِّر أولى الألباب عمّا كرهه)، يريد: أن الغَرَضَ من أصل الاستعارة التنفيرُ والترغيب، فإنّ تشبيه الذنب بالرِّجْسِ مما يُتصَوَّرُ في نفسِ ذي اللُّبِّ ما يُوحِشُه ويُنفِّرُ طبعَه كما أن تشبيه التقوى بالطهارة مما يُرغِّبه ويُميلُ طبْعَه إليه. قال ابنُ الرومي في شأن العسل:

تقولُ هذا مُجاجُ النحلِ تمدَحُه وإن تَعِبْ قُلْتَ ذا قَيءُ الزنابير
قال الزجاج: الرجسُ كلُّ مستنكرٍ ومُسْتَقذرٍ من مأكول أو عمل أو فاحشة.
قولُه: (وفي هذا دليلٌ بَيِّن على أنّ نساءَ النبي ﷺ من أهلِ بيته)، يُعَرِّضُ بالشيعة. قال القاضي: وتخصيصُ الشيعة أهلَ البيتِ بفاطمةَ وعليِّ وابنيهما رضي الله عنهم؛ لما رُوِيَ أنه ﷺ خرجَ ذات غُدوةٍ وعليه مِرْطٌ مُرَحَّلٌ من شعرٍ أسودَ، فجلسَ فأتت فاطمةُ فأدخلَها فيه، ثم جاء علي فأدخَله فيه، ثم جاء الحسنُ والحسينُ فأدخلهما فيه، ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، والاحتجاجُ بذلك على عِصْمتِهم وكونِ إجماعِهم حُجَّةً ضعيفٌ؛ لأن التخصيصَ بهم لا يناسِبُ ما قبل الآية وما بَعدَها، والحديثُ يقتضي أنّهم أهلُ البيت لا أن ليسَ غيرهم. وقال الزجاج: ﴿أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ هنا يدلُّ على الرجالِ


الصفحة التالية
Icon