قلت: العطف الأوّل نحو قوله تعالى: (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً)] التحريم: ٥ [في أنهما جنسان مختلفان، إذا اشتركا في حكم لم يكن بد من توسيط العاطف بينهما. وأما العطف الثاني فمن عطف الصفة على الصفة بحرف الجمع، فكان معناه: إنّ الجامعين والجامعات لهذه الطاعات (أَعَدَّ الله لَهُمْ).
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)] ٣٦ [
خطب رسول الله ﷺ زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب على مولاه زيد بن حارثة، فأبت وأبى أخوها عبد الله؛ فنزلت، فقال: رضينا يا رسول الله، فأنكحها إياه، وساق عنه إليها مهرها ستين درهمًا وخمارًا وملحفًة ودرعًا وإزارًا وخمسين مدًا من طعام وثلاثين صاعًا من تمر. وقيل: هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط، وهي أوّل من هاجر من النساء، وهبت نفسها للنبي ﷺ فقال: "قد قبلت"، وزوّجها زيدًا، فسخطت، هي وأخوها، وقالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوّجنا عبده! والمعنى: وما صح لرجل ولا امرأةٍ من المؤمنين (إِذا قَضَى الله وَرَسُولُهُ) أى: رسول الله، أو لأنّ قضاء رسول الله هو قضاء الله (أَمْراً) من الأمور؛ أن يختاروا من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (العطف الأول نحو قوله: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم: ٥])، قال صاحب ((التقريب)): عطفُ الإناثِ على الذكور لاختلافهما ذاتًا، وعطفُ الزوجَيْن على الزوجَيْن لاختلافهما صفة. وقلت: لما كان الثاني على خلاف مقتضى الظاهر؛ لأنهما ليسا جنسين مختلفَين كالأولِ قال بحرفِ الجمع ليؤذنَ بأنه مسلوبُ الدَّلالة على المغايرة. قال في قوله تعالى: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤]: ((ويجوزُ أن يكون الواو بمعنى: مع))، وقد بُيِّن معناه في مقامه.
قولُه: (أي: رسول الله)، يريدُ: قضى رسول الله صلى الله عليه، على هذا: ذِكْرُ الله تمهيدٌ للذكْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو أعجبني زيد وكرمُه. وفائدةُ هذه الطريقة قوةُ الاختصاص وأنه


الصفحة التالية
Icon