مودة مفارقة زيد إياها. وقيل: علمه بأن زيدًا سيطلقها وسينكحها؛ لأن الله قد أعلمه بذلك. وعن عائشة رضى الله عنها: لو كتم رسول الله ﷺ شيئًا مما أوحى إليه لكتم هذه الآية. فإن قلت: فماذا أراد الله منه أن يقوله حين قال له زيد: أريد مفارقتها، وكان من الهجنة أن يقول له: افعل، فإنى أريد نكاحها؟ قلت: كأن الذي أراد منه عز وجل أن يصمت عند ذلك، أو يقول له: أنت أعلم بشأنك، حتى لا يخالف سره في ذلك علانيته؛ لأن الله يريد من الأنبياء تساوى الظاهر والباطن، والتصلب في الأمور، والتجاوب في الأحوال، والاستمرار على طريقة مستتبة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (لو كتمَ رسول الله ﷺ شيئًا)، الحديثُ من روايةِ البخاريِّ والترمذيِّ والنسائي عن أنس قال: جاء زيدُ بن حارثة يشكو، فجعلَ رسولُ الله ﷺ يقول: ((اتّقِ الله وأمسِك عليك زوجك))، لو كان رسول الله ﷺ كاتمًا شيئًا لكتَم هذه الآية.
قولُه: (وكان من الهُجْنة)، الأساس: هذا ما يُستهجَنُ وفيه هُجْنة. الجوهري: تهجينُ الأمر تقبيحه.
قولُه: (كأنّ الذي أرادَ منه عز وجل أن يصمُت)، فيه اعتزالٌ وسوءُ أدبٍ، بل كان الذي أولى له ﷺ أن يسكُتَ، وإنْ كان السكوتُ والنُّطق بإرادتِه ومشيئته.
قولُه: (والتجاوب في الأحوال)، الأساس: كلامُ فلانٍ متناسبٌ متجاوب، ولا يتجاوب أول كلامِك وآخرُه.
قولُه: (مُستَتِبّة)، الأساس: واستتَبَّ الطريق: ذلَّ وانقاد، كما يُقال: طَريقٌ مُعبَّد. واستتَبَّ له الأمر، ويجوز أن يقال للاستقامةِ والتمام: الاستتباب، أي: طلبِ التّباب، من: تَبَّ الرجل: إذا شاخ لأن التبابَ يتبَعُ التمام.
الراغب: التبابُ والتبُّ الاستمرارُ في الخسران.


الصفحة التالية
Icon