وقالة الناس لا تتعلق إلا بما يستقبح في العقول والعادات؟ وماله لم يعاتبه في نفس الأمر؟ ولم يأمره بقمع الشهوة وكف النفس عن أن تنازع إلى زينب وتتبعها؟ ولم يعصم نبيه ﷺ عن تعلق الهجنة به وما يعرضه للقالة؟ قلت: كم من شيٍء يتحفظ منه الإنسان ويستحيى من اطلاع الناس عليه، وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق، لا مقال فيه ولا عيب عند الله، وربما كان الدخول في ذلك المباح سلمًا إلى حصول واجباٍت يعظم أثرها في الدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وقالةُ الناس)، النهاية: وفي الحديثِ: ((وفَشَتِ القالةُ بين الناس)) أي: كثرةُ القولِ وإيقاعُ الخصومة بين الناس بما يُحكى للبعضِ عن البعض.
قولُه: (ولم يَعْصِمْ نَبِيَّه)، أي: ومالَهُ لم يعصِم نَبيّه عن تعلق الهُجْنَة به؟ هو عطفٌ على قوله: ((ولم يأمره)).
قولُه: (يتحفظ منه)، الأساس: عليكَ بالتحفّظِ من الناسِ وهو التوقِّي.
قولُه: (وربما كان الدخول في ذلك المباح سُلّمًا إلى حُصولِ واجباتٍ يَعظُم أثرُها في الدين)، قال بعضُ المحقِّقين: لعلّ السرَّ في طَلاقِ الزوجِ مَرغوبتَه امتحانُ إيمانِه، ومن رسول الله ﷺ الابتلاءُ بَبليّةِ البشريةِ ومَنْعِه من خائنةِ الأعيُن وإظهارِ ما يخالفُ الإضمارَ وكان ذلك منه في غاية التشديد، ولو كُلِّفَ بذلك آحادُ الناس لما فَتحوا أعيُنهم في الشوارع.
قال شيخُنا شيخُ الإسلام أبو حَفْصٍ السُّهْروردي قدّسَ الله سِرَّه- في قولِه صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليُغانُ على قلبي)) -: ((إن روحَ النبيِّ ﷺ لم يَزْل في الترقِّي إلى مقامِ القربِ مستتبعةً للقلبِ في رُقيِّها إلى مركزِها، وهكذا كان القلب يستتبعُ نَفْسَه الزكيَّة، ولا خفاءَ أنّ حركةَ الروحِ والقلبِ أسرَعُ وأتمُّ من نهضةِ النفسِ وحركتِها، وكانت خُطى النفسِ تقصُر عن مدى الروحِ والقلبِ في العروجِ والولوجِ من حريم القلب ولحوقِها بِها فاقتضت العواطفُ الربانية على الضعفاءِ من الأمةِ إبطاءَ حركةِ القلب بإلقاءِ الغَيْنِ عليه؛ لئلا يُسرعَ ويَسرحَ في معارج الروح ومدارِجها فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب فيبقى العبادُ مُهمَلين


الصفحة التالية
Icon