..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محرومين من الاستنارةِ بأنوارِ النبوة والاستضاءةِ بمشكاةِ مصباحِ الشريعة، فظهرَ أن الغَيْن كان كمالاً أو تتمَّة كمالٍ لا نقصًا في حاله.
قلت- والله أعلم-: إنه سَبقَ أن هذه السورة إلى مختتمها في بيان فضله ﷺ فسلك في هذه الآيات مسلك أن حاله ﷺ مباينٌ لأحوالِ غيره وأنه مَظْهرُ رحمةِ الله تعالى على خلقِه، ولا يصدرُ عنه إلا ما يكونُ منطويًا على مصالح جَمَّة، وإن خفي عليه وعلى الناس أمرُه، فنَبّه عليه بقوله أولاً: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾، ثم خَصَّ أزوجَه بالتخييرِ، وأنّ شأنه ليسَ كشأنِ سائر الأزواج، ثم فَرّعٍ عليهما قولَه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ تقريرًا وتوكيدًا، ثم جاءَ بتصويرِ حالةٍ من حالاته التي لا يرضى له بعض الناس بحَسْبِ العُرفِ والعادةِ وجَعله سُلّمًا إلى حصول ما يعظم أثره في الدين وهو قوله: ﴿تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾، يعني: كان الواجب عليك إظهار ما أخْطَرْنا في بالِك وأن لا تخشى قالةَ الناسِ كما عليه العُرْفُ والعادة لأن أمرك خلاف أمرِهم وبشريتُك مغمورةٌ في درجاتِ روحانيتك، ومن تقديرنا أن لا يجري عليك إلا ما فيه رحمةٌ للعباد وإليه الإشارة بقَوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ و ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾؛ ألا ترى كيف عَلّل ذلك برَفْع الحَرجِ عن المؤمنين وعن نفسه الطاهرة بقوله: ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾ ﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ﴾، وختمَ ذلك بقوله: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، هذا كلُّه معنى قولِ المصنِّف: ((كان الدخولُ في ذلك سُلّمًا إلى واجباتٍ يعظُمُ أثرُها في الدين)).
ويقرُبُ منه ما روى مُحيي السنة أنّ زينَ العابدين عليّ بنَ الحُسين بن علي رضي الله تعالى عنه سأل عليَّ بن زيد بن جُدعان: ما يقولُ الحسَنُ في قوله عز وجل: ﴿تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾؟ قال: يقول: لما قال زيدٌ: يا نبيَّ الله، إني أريدُ أن أطلِّقَ زينبَ، أعجَبَه ذلك وقال: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ﴾، فقال زين العابدين: ليس كذلك، كان الله قد أعلمَه أنها ستكونُ من أزواجِه، وأنّ زيدًا سيُطَلِّقَها، فلما قال له: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾، عاتبه الله وقال: لم قُلْت: أمسِكْ عليكَ زوْجَك، وقد أعلمتُك أنها


الصفحة التالية
Icon