ويجل ثوابها، ولو لم يتحفظ منه لأطلق كثير من الناس فيه ألسنتهم إلا من أوتى فضلًا وعلمًا ودينًا ونظرًا في حقائق الأمور ولبوبها دون قشورها، ألا ترى أنهم كانوا إذا طمعوا في بيوت رسول الله ﷺ بقوا مرتكزين في مجالسهم لا يريمون مستأنسين بالحديث، وكان رسول الله ﷺ يؤذيه قعودهم، ويضيق صدره حديثهم، والحياء يصده أن يأمرهم بالانتشار، حتى نزلت (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَالله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ)] الأحزاب: ٥٣ [، ولو أبرز رسول الله ﷺ مكنون ضميره وأمرهم أن ينتشروا؛ لشق عليهم، ولكان بعض القالة؟ فهذا من ذاك القبيل؛ لأن طموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته -من امرأة أو غيرها- غير موصوف بالقبح في العقل ولا في الشرع؛ لأنه ليس بفعل الإنسان ولا وجوده باختياره، وتناول المباح بالطريق الشرعي ليس بقبيح أيضًا، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها، ولا طلب إليه وهو أقرب منه من زرّ قميصه أن يواسيه بمفارقتها، مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ستكونُ من أزواجِك؟ وهذا هو الأولى والألْيقُ بحالِ الأنبياءِ فهو مُطابقٌ للتلاوةِ، لأنّ الله تعالى أعلمَ أنه تعالى يُبدي ما أخفاهُ، ولم يُظهر غيرَ تزويجِها فقال: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾، فلو كان الذي أضمَره محبَّتها وإرادةَ طلاقِها؛ لكان يُظهِرُ ذلك، ثم قال في آخرِ كلامه: هذا قول حَسَنٌ مرضي.
قولُه: (مرتكزين)، أي: ثابِتين، من: ركزْتُ الرُّمحَ، وكذا غرَزْتُه في الأرض.
قولُه: (لا يَريمون): لا يَبْرحون، الجوهري: رامَه يَريمه رَيْمًا، أي: بَرَحَه.
قولُه: (ولا طَلَبٍ إليه)، النهاية: ومنه حديثُ نُقادةَ الأسدي قلت: يا رسول الله اطلُبْ إليّ طَلِبةً فإني أحبُّ أن أُطْلِبَكَها. الطَّلِبةُ: الحاجةُ، والاطّلابُ: إنجازُها وقضاؤها.
يُقال: طلبَ إلي فأطْلَبتُه، أي: أسعَفْتُه بما طلب. والضميرُ في ((مِنْه)) لزيد، و ((منْ)) صلة،


الصفحة التالية
Icon