والملائكة، وأنواع البركات والمقادير، كما قال تعالى: (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)] الذاريات: ٢٢ [. (وَما يَعْرُجُ فِيها) من الملائكة وأعمال العباد. (وَهُوَ) مع كثرة نعمه، وسبوغ فضله (الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) للمفرطين في أداء مواجب شكرها. وقرأ على بن أبى طالب رضى الله عنه: (ننزّل)، بالنون والتشديد.
[(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَاتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَاتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (﴿وَهُوَ﴾ مَع كَثرةِ نِعَمِه)، يعني قوله ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ تَتْميمٌ لمعنى ما يَسْتلزمُه قولُه: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ﴾ إلى آخرهِ من الامتنانِ بمُوجبِ الحمْدِ من فَضائِله المُتكاثرةِ ومن التفريطِ فيما أوجبَ عليهم من الشُّكرِ على تلك النعمةِ الجَسيمة. أي: نَبَّه بهذا الإعلامِ على هَاذَيْن المعنَييْن، ثمَّ عقَّبه بهاذَيْن الوصفَيْن تتميمًا للمقصودِ، يعني: أنّ الله مع ما أولاهُم تلك النعمَ وشَهِدَ منهم ذلك التقصيرَ يزيدُ في تلكَ النِّعَمِ ويَغْفرُ لهم ذلك التفريط.
فإن قُلْتَ: أليسَ من الظاهرِ أن يَفْصِلَ الآيةَ الأولى بقوله ﴿وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ﴾ لمّا اشتملَتْ على إيجابِ الحمْدِ على نِعمةِ الدارَيْن ليرحمَهم ويَغْفِرَ لهم ما أن عسى أن فرّطوا فيه. والآية الثانيةَ بقولهِ ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ لمُناسبةِ العلْمِ الحكمةَ والخِبْرة؟
قلتُ: بَلى ولكن خُولفَ ليتكاثرَ المعنى ويحصُلَ التتميمُ والتكميل، فدَلَّ انضمامُ الأولى بفاصلتِها الدالةِ على نوعٍ من العلمِ على معنى التكميل، وأنّ الله تعالى كما أنّه مُنْعِمٌ في الدارَيْن كذا يُحكِمُ أُمورَهما على وجْهٍ قويٍّ رَصين ويعلمُ ما يصدرُ عن العبادِ من تفاصيلِ الحمدَيْن ليَجْزِيَهُم بها على وجهِ الكمالِ والتمامِ، وانضمامُ الثانيةِ بفاصِلتِها آذَنَ بالتتميمِ الذي أشَرْنا إليه ولو أُجْرِيا على الظاهرِ لفاتَ أكثرُ تلك الفوائد. والله أعلمُ بأسرارِ كلامه.


الصفحة التالية
Icon