كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)] ٣ - ٤ [
قولهم: (لا تَاتِينَا السَّاعَةُ): نفى للبعث وإنكار لمجيء الساعة. أو استبطاء لما قد وعدوه من قيامها على سبيل الهزء والسخرية، كقولهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ)] يونس: ٤٨ [. أوجب ما بعد النفي بـ (بلى) على معنى: أن ليس الأمر إلا إتيانها، ثم أعيد إيجابه مؤكدًا بما هو الغاية في التوكيد والتشديد، وهو التوكيد باليمين بالله عز وجل، ثم أمد التوكيد القسمي إمدادا بما أنبع المقسم به من الوصف بما وصف به، إلى قوله: (لِيَجْزِيَ)؛ لأنّ عظمة حال المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم عليه، وشدّة ثباته واستقامته؛ لأنه بمنزلة الاستشهاد على الأمر، وكلما كان المستشهد به أعلى كعبًا، وأبين فضلًا، وأرفع منزلةً، كانت الشهادة أقوى وآكد، والمستشهد عليه أثبت وأرسخ. فإن قلت: هل للوصف الذي وصف به المقسم به وجه اختصاص بهذا المعنى؟ قلت: نعم وذلك أن قيام الساعة من مشاهير الغيوب، وأدخلها في الخفية، وأوّلها مسارعةً إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم أُعيدَ إيجابُه مؤكَّدًا بما هو الغايةُ في التوكيدِ والتشديدِ وهو التوكيدُ باليمين)، قال صاحب ((الفرائد)): اقتضى المقامُ اليمينَ. لأنّ مَنْ أنكَر ما قيلَ له، فالذي وجبَ أن يُقالَ بعدَ ذلك إذا أُريدَ مُقتَرِنًا باليمين، وإلا كان خَطأً بالنظرِ إلى علم المعاني وإنْ كان صحيحًا بالنظرِ إلى العربيةِ والنحوِ، وما ذكَر مِنْ أنّ عَظمةَ المُقْسَم به تُؤْذِنُ بعَظمةِ الحالِ المُقْسَمِ عليه مُستقيم. فلو وُصِفَ بغَيرِ هذا الوصفِ مما يقتضي العظمةَ كان كذلك، وأما الوصفُ المذكورُ، فلأنَّ إنكارَهم البَعْثَ باعتبارِ أنّ الأجزاءَ المُتفرقةَ المُنْتشرةَ يمتنعُ اجتماعُها كما كانَ يدلّ عليه قولُه تعالى: ﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ﴾ [ق: ٤] فالوصْفُ بهذه الأوصافِ رَدٌّ لزَعْمِهم واستحالتِهم؛ وهو أنَّ مَنْ كان عِلْمُه بهذه المَثابَةِ كيفَ يَمْنتعُ ذلك منه؟ تَمَّ كلامُه وقد أحسَنَ وأجادَ رَحِمَه الله.
قولُه: (نَعمْ وذلك أنّ قيامَ الساعةِ مِن مشاهيرِ الغُيوب)، إلى آخره، قال صاحبُ ((الفرائد)): لا شكَّ أنه لزِمَ منه أن يكونَ عالمًا بوَقْتِ قيامِ الساعةِ لأنّ مَنْ لا يَعْزُبُ عن