ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما ليسَ بصادقٍ ولا كاذب، لأنهّم حصروا دعوى النبيِّ الرسالةَ في الافتراءِ وفي الإخبارِ حالَ الجنون، وليسَ إخبارُه حال الجنونِ كذِبًا لجَعْلِهم الافتراءَ مقابلاً له، ولا صِدْقًا لأنّهم لم يعتقدوا صِدْقَه، فثبتَ أنّ من الخبرِ ما ليس بصادقٍ ولا كاذب.
وأجيب: أنّ الافتراءَ هو الكَذِبُ عن عَمْدٍ، فهو نوعٌ من الكذب، فلا يمتَنعُ أن يكونَ الإخبارُ حالَ الجنونِ نوعًا منه، وهو الكذِبُ لا عَنْ عَمْدٍ، فيكون التقسيمُ للخبرِ الكاذبِ لا للخبرِ مُطْلقًا.
وقلتُ: هذا جوابٌ حسَنٌ لطيف لكنّ الأصلَ مَدْخولٌ فيه من وجهَيْن: أحدُهما: أنّ ورودَ الآيةِ في البعثِ والحشرِ لا في دعوى الرسالة بدليلِ السابقِ أي: قولهم ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ٧] واللاحق أي: قولُه ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [سبأ: ٨]، ولذلك كان قولُ المصنّف: ((من ذلك)) بيانًا لقولِه: ((ما يُنْسَبُ إليه))، والمشارُ إليه ما دلَّ عليه قولُه: ((إنّكم تُبْعثونَ وتُنْشئونَ خَلْقًا جديدًا)) إلى آخرهِ.
وثانيهما: ظهورُ ((أم)) في كونِها مُنقطعةً لفظًا لاختلافِ مدخولَي الهمزة و ((أم)) لأنّ المعانِدين لمّا أخرجوا قولهم: ﴿هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ﴾ مُخْرَجَ الطَّنْزِ والسخرية متجاهلين برسولِ الله ﷺ وبكلامِه من إثباتِ الحَشْرِ والنَّشْرِ، وعَقّبوهُ بقوله ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أضربوا عنه إلى ما هو أبْلغُ منه تَرقِّيًا من الأهون إلى الأغلظِ مِن نسبةِ الجنونِ إليه


الصفحة التالية
Icon