وكان إنباؤه بالبعث شائعًا عندهم، فما معنى قوله: (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) فنكروه لهم، وعرضوا عليهم الدلالة عليه، كما يدل على مجهوٍل في أمٍر مجهول؟ قلت: كانوا يقصدون بذلك الطنز والسخرية، فأخرجوه مخرج التحلي ببعض الأحاجى التي يتحاجى بها للضحك والتلهي، متجاهلين به وبأمره.
[أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَا نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)] ٩ [
أعموا فلم ينظروا إلى السماء والأرض، وأنهما حيثما كانوا وأينما ساروا أمامهم وخلفهم محيطتان بهم، لا يقدرون أن ينفذوا من أقطارهما، وأن يخرجوا عما هم فيه من ملكوت الله عز وجلّ، ولم يخافوا أن يخسف الله بهم، أو يسقط عليهم كسفًا، لتكذيبهم الآيات، وكفرهم بالرسول ﷺ وبما جاء به، كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة. (إِنَّ فِي ذلِكَ) النظر إلى السماء والأرض والفكر فيهما، وما يدلان عليه من قدرة الله (لَآيَةً)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قَولُه: (ببعضِ الأحاجي)، الجوهري: حاجَيْتُه فحَجوْتُه: إذا داعَيْتَه فَغَلبْتَه. والاسمُ: الأحْجِيَّةُ، وهي لُعبةٌ وأُغلوطة يتعاطاها الناسُ بينهم.
قولُه: (أعَمُوا فلم ينظروا)، يريدُ أنّ همزةَ الإنكارِ الداخلةَ على قوله: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من حيث التقدير داخلٌ على فعلٍ هو السَّبَبُ في الفعلِ المذكورِ، ((وأمامَهم وخَلْفَهم)) خبرانِ و ((مُحيطتان بهم)): عَطْفُ بيانٍ له أو بَدَل.
قوله: (من ملكوتِ الله)، أي: السماواتِ والأرض، لأن ((من)) بيان ((ما)) في ((عمّا هم فيه)).
قولُه: (وما يدلاّن)، عطفٌ على الضميرِ المجرور، أي: والفكرِ فيما يدلاّن عليه، أو على ((السماءِ والأرضِ))، وهو الأصوبُ.


الصفحة التالية
Icon