و (مسكنهم): بفتح الكاف وكسرها، وهو موضع سكناهم، وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها، أو مسكن كل واحد منهم. وقرئ: (مساكنهم). و (جَنَّتانِ): بدل من (آية). أو خبر مبتدإ محذوف، تقديره: الآية جنتان. وفي الرفع معنى المدح، تدل عليه قراءة من قرأ: (جنتين) بالنصب على المدح. فإن قلت: ما معنى كونهما آية؟ قلت: لم يجعل الجنتين في أنفسهما آيةً، وإنما جعل قصتهما وأنّ أهلهما أعرضوا عن شكر الله تعالى عليهما فخربهما، وأبدلهم عنهما لخمط والأثل؛ آية وعبرة لهم ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم. ويجوز أن تجعلهما آية،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (و ﴿مَسْكَنِهِمْ﴾ بفَتْح الكاف وكَسْرِها)، حفْصٌ وحمزةُ: بإسكانِ السين وفَتْحِ الكافِ، والكسائيٌّ كذلك غير أنه يكسِرُ الكافَ، والباقونَ: بفَتْحِ السِّينِ وكَسْرِ الكافِ وألفٍ بينهما.
قال مَكِّي: مَنْ قرأَ بالتوحيدِ وفَتْحِ الكافِ جَعله مَصْدرًا ولم يجمَعْه وأتى به على القياس، لأن ((فَعَلَ يَفْعَل)) قياس مطرد بالفتح نَحْو المَقْعَدِ والمَدْخَلِ، وقيل: هو اسمٌ مُفردٌ للمكانِ يؤدِّي عن الجمعِ، ومَنْ كسَر الكافَ جعلَه اسمًا للمكانِ كالمسجدِ، وقيل: هو مَصْدرٌ خرَج عن الأصلِ كالمَطْلَع.
قوله: (ويجوز أن تَجْعلَهما آية)، أي: علامةً دالّةً على الله وعلى قدرتهِ، فعلى الأولِ المضافُ محذوفٌ، وعلى الثاني هو مِثْلُ قولِه: ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١] قال: حالُهما بمَجْموعهما آيةٌ واحدة وهي ولادتُها إيّاهُ مِن غيرِ فَحْل.
اعلَم أنّ في مثل هذه الآية يجوزُ أن ينتفعَ بها المكلَّفُ من حيثُ الاعتبارُ، فيَنْزجرُ ويَرْتدِعُ عن كُفرانِ نعم الله لئلا يُصيبَه بمثْلِ ما أصابهم أو من حيث القدرة الكاملة والإحسان إليه حيث ما ابتلاه بمثْلِ ما ابتلاهم، فيشكر الله عليه وهذا معنى قولهم: تجبُ سجدةُ الشكرِ عند


الصفحة التالية
Icon