إن شئتم بالليل، وإن شئتم بالنهار، فإن الأمن فيها لا يختلف باختلاف الأوقات. أو: سيروا فيها آمنين لا تخافون، وإن تطاولت مدة سفركم فيها، وامتدت أيامًا وليالي. أو: سيروا فيها لياليكم وأيامكم مدة أعماركم، فإنكم في كل حيٍن وزمان، لا تلقون فيها إلا الأمن. قرئ: (ربنا باعد بين أسفارنا) و (بعد) و (يا ربنا)، على الدعاء. بطروا النعمة، وبشموا من طيب العيش، وملوا العافية، فطلبوا الكد والتعب، كما طلب بنو إسرائيل البصل والثوم مكان المنّ والسلوى، وقالوا: لو كان جنى جناننا أبعد كان أجدر أن نشتهيه، وتمنوا أن يجعل الله بينهم وبين الشام مفاوز ليركبوا الرواحل فيها، ويتزودوا الأزواد، فجعل الله لهم الإجابة. وقرئ: (ربنا بعد بين أسفارنا)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦] الواو قد يجيء للإباحة نحو قولِك: جالسِ الحسنَ وابنَ سيرين، ومِن ثَمَّ أتى بالجملة الشرطية في التفسير.
وثانيهما: أن يُعَبَّر بذكرِهما عن طولِ الزمان وامتدادِ المدة من غير اعتبار شيء آخر.
وثالثها: أن يراد امتداد الزمان لكن مقيد بأيام المخاطبين ولياليهم، فإنك إذا قلت لزيدٍ: صُمْ نهارًا وصَلِّ ليلاً، لم تُرِدْ إلا أيامَه ولياليه ما عاش، وفيه تعَسُّف.
قوله: (قُرئَ: ﴿رَبَّنَا بَاعِدْ﴾)، ابنُ كثيرٍ وأبو عَمْرو هِشام: ((بعِّد))، والباقون: ﴿بَاعِدْ﴾.
قوله: (بَطِروا النعمة)، يقال: بَطِرْتَ عَيْشَكَ كما يقال: رَشَدْت أمرَك. وبَشِموا: البَشَمُ: التُّخمَة. الجوهري: بَشِمَ الفصيلُ سن كثرةِ شُرْبِ اللبن.
قوله: (لو كانَ جَني جِنَانِنا)، أي: المُجْتني من الثمارِ التي جُنِيَتْ.
قوله: (ربَّنا بَعُدَ بينُ أسفارنا)، قال ابن جني: قرأ ابنُ عباس ومحمدُ بن الحنفية وغيرُهما: ((رَبُّنا بَعَّدَ بين أسفارِنا)) بضَمّ الباء من ((رَبّنا)) على الخبرِ وفَتْحِ الباءِ والعينِ من ((بَعَّدَ)) ونَصْبِ ((بَيْنَ)). وقرأَ ((بَعُدَ)) بفَتْحِ الباءِ وضَمِّ العين ورَفْعِ ((بَيْنُ)): محمَّد بن السَّمَيْفَع وابنُ يَعْمَر