أحوال الربوبية، فكيف يصح أن يدعوا كما يدعى، ويرجوا كما يرجى؟ فإن قلت: أين مفعولا زعم؟ فإن قلت: أحدهما: الضمير المحذوف الراجع منه إلى الموصول. وأمّا الثاني: فلا يخلو إمّا أن يكون (مِنْ دُونِ الله)، أو (لا يَمْلِكُونَ)، أو محذوفًا. فلا يصح الأول؛ لأنّ قولك: هم من دون الله، لا يلتئم كلامًا، ولا الثاني؛ لأنهم ما كانوا يزعمون ذلك، فكيف يتكلمون بما هو حجة عليهم، وبما لو قالوه قالوا ما هو حق وتوحيد؟ فبقى أن يكون محذوفًا تقديره: زعمتموهم آلهةً من دون الله، فحذف الراجع إلى الموصول كما حذف في قوله: (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ الله)] الفرقان: ٤١ [استخفافا، لطول الموصول لصلته، وحذف "آلهة"؛ لأنه موصوف صفته: (مِنْ دُونِ الله)، والموصوف يجوز حذفه، وإقامة الصفة مقامه إذا كان مفهوما، فإذن مفعولا "زعم" محذوفان جميعًا بسببين مختلفين.
[وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير)] ُ ٢٣ [
تقول: الشفاعة لزيد، على معنى أنه الشافع، كما تقول: الكرم لزيد، وعلى معنى أنه المشفوع له، كما تقول: القيام لزيد، فاحتمل قوله: (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) أن يكون على أحد هذين الوجهين، أى: لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (بسَبَبَيْنِ مختلفين)، أي: بسَببِ الاستحقاقِ وبسَبب إقامةِ الصفةِ مُقامَ الموصوف.
قوله: (على أحدِ هذين الوجهين)، أي: اللام في ﴿أَذِنَ لَهُ،﴾ صلة للفعل، فيجوز أن يكون مثل اللام في قولك: الشفاعةُ لزيدٍ، على أنه الشافع فقولهُ: ((من الشافعين)) بيانٌ لقوله: ﴿مَنْ أَذِنَ لَهُ﴾، وأن يكونَ مِثْلَ اللام من قولك: القيامُ لزيد، أي: قامَ أحدٌ كرامةً لزيدٍ على أنه المشفوعُ له، وقولُه: ((أي: بشفيعه))، تفسيرٌ لقوله: ﴿لَهُ،﴾ في قولِه: ﴿مَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ أي: لا تَنْفَع الشفاعة إلا لشخص أذن لشفيعه أن يشفع له.