وهو الله وحده، و (فرّع)، أى: نفى الوجل عنها وأفنى، من قولهم: فرغ الزاد، إذا لم يبق منه شيء. ثم ترك ذكر الوجل وأسند إلى الجار والمجرور، كما تقول: دفع إلىّ زيد، إذا علم ما المدفوع وقد يخفف، وأصله: فرغ الوجل عنها، أى: انتفى عنها وفنى. ثم حذف الفاعل وأسند إلى الجار والمجرور. وقرئ: (افرنقع عن قلوبهم)، بمعنى: انكشف عنها. وعن أبى علقمة: أنه هاج به المرار، فالتف عليه الناس، فلما أفاق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من الأصنامِ والملائكة وسَمَّيتموهُم باسمِه، والتجئوا إليهم، فإنهم لا يملكون مثقالَ ذرَّةٍ في السماوات ولا في الأرض، ولا تنفع الشافعة من هؤلاء إلا الملائكة لكن مع الإذن والفزع العظيم وهم لا يشفعون إلا للمُرتضَيْن، فعبَّر عن الملائكة بقوله: ﴿إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ﴾ الآية كناية، كأنه قيل: لا تنفعُ الشفاعةُ إلاّ ممّن هذا شأنُه ودأبُه، وأنه لا يثبت عند صَدْمةٍ من صدماتِ هذا الكتاب المُبين وعند سماعِ كلامِ الحقِّ، يعني: الذين إذا نُزّلَ عليهم الوحيُ يفزعون ويُصْعقون، حتى إذا أتاهم جبريلُ فُزِّعَ عن قلوبهم يقولون: ماذا قال ربّكم؟ فيقول: الحقَّ، فيقولون: الحقَّ الحقَّ.
ونحوه في الأسلوبِ قوله تعالى ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [الزخرف: ٩ - ١٠]. قال المصنِّف: ((معنى ﴿خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ إلى آخره: ليَنسُبُنَّ خَلْقَها إلى الذي وُصِفَ بهذه الأوصاف وقيل في حَقّه تلك النعوت)).
قولُه: (فَزَّعتُه الشفاعةُ)، أي أزالت الشفاعة عنه الفزع؛ أي إذْنُ الشفاعةِ، يدلُّ عليه قولُه: كَشِفَ الفَزَعُ بكلمةٍ يتكلَّم بها ربُّ العِزَّةِ في إطلاقِ الإذن.
قوله: (وقُرئ: ((افرُنقِعَ)))، قال ابن جنِّي: قال أبو عَمْرو الدّوري عن عيسى بن عُمر: أنه كان يقرأ ((افرُنقِعَ عن قلوبهم)).