هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، ومعناه: وإنّ أحد الفريقين من الذين يتوحدون الرازق من السماوات والأرض بالعبادة، ومن الذين يشركون به الجماد الذي لا يوصف بالقدرة، لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال. وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من مواٍل أو مناٍف قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك، وفي درجه بعد تقدمة ما قدم من التقرير البليغ دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى، ومن هو في الضلال المبين، ولكن التعريض والتورية أوصل بالمجادل إلى الغرض، وأهجم به على الغلبة، مع قلة شغب الخصم، وفلّ شوكته بالهوينا، ونحوه قول الرجل لصاحبه: علم الله الصادق منى ومنك، وإن أحدنا لكاذب. ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء | فشر كما لخير كما الفداء |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واردٌ على ترتيبٍ أنيقٍ ونظمٍ رَصين مشتملٍ على فوائدَ وإشاراتٍ، وهو من باب الترقِّي.
قوله: (يتوحَّدون)، ويُروى: ((يُوحِّدون))، يقال: توحَّد بكذا: اعترفَ به، وفلان توحَّدَ بكذا: إذا اعتزلَ وتفرَّد من الناس به، ومنه الأوْحَديُّ، أي: من الذين ينفرِدون بعبادةِ مَنْ يرزقُهم من السماء بإنزال الأمطار ومن الأرض بإنبات البركات.
قوله: (بالهُوَينا)، النهاية: الهُوَينا: تصغيرُ الهونا؛ تأنيثُ الأهون، والهُونُ: الرِّفق واللين.
قوله: (أتهجوه) البيت، قيل: لما أنشدَ حَسّانُ البيتَ مَنْ حضر: هذا أنصَفُ بيتٍ قالته العرب.