ومن جعله حالًا من المجرور متقدّمًا عليه فقد أخطأ؛ لأنّ تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حالاً من الكاف). وأما حكايةُ كلامِه فإنه قال: معنى ﴿كَآفَّةً﴾: الإحاطةُ في اللغةِ، والمعنى: أرسلناكَ جامعًا للناسِ في الإنذارِ والإبلاغِ، وأُرسلَ ﷺ إلى العربِ والعجَم.
وقال أبو البقاء: كأنه حالٌ من الكافِ، والهاءُ زائدةٌ للمبالغةِ، و ﴿للناسِ﴾ مُتعلِّقٌ به، أي: وما أرسلناك إلا كافّةً للناسِ عن الكفر والمعاصي.
وقال المالكي في ((شرح التسهيل)): قولُ الزجاج باطلٌ لأنّه جعَل ﴿كَآفَّةً﴾ حالاً من مفرد، ولا يُعرَفُ ذلك في غيرِ محلِّ النزاع، وجَعَلَه مِن مُذَكَّرٍ مع كَوْنِه مُؤنّثًا، ولا يتأتى ذلك إلا بجَعْلِ تائِه للمبالغةِ، وبابُه مقصورٌ على السماعِ، ولا يتأتى غالبًا ما هي فيه إلا على أحدِ أمثلةِ المبالغةِ، كنَسّابةٍ وفَروقةٍ ومِهْدارة، وكافّة بخلافِ ذلك، فبَطل أن يكونَ منها لكونِها على فاعلة. فإن حُمِلت على رواية حملت على شاذّ الشاذّ، لأنّ إلحاقَ تاءِ المبالغةِ لأحدِ الأمثلةِ شاذّ، وإلحاقُه لما لا مُبالَغة فيه أشذّ.
وأما الزمخشريّ فقد جعلَ ﴿كَآفَّةً﴾ صفةً، ولم يستعمله العربُ إلاّ حالاً، وليتَه إذْ أخرجَ ((كافة)) عن استعمالِ العرب سلكَ به سبيلَ القياسِ بل جعلَه لموصوفٍ محذوفٍ لم تستعمله العرب مفردًا ولا مقرونًا بصِفة؛ أعني: إرسالَه، وحَقّ الموصوفِ المُسْتغني بصفتِه أن يُعتادَ ذكْرُه مع صفتِه قبل الحذفِ ولا تصلح الصفة لغيره.
قوله: (ومَنْ جعلَه حالاً من المجرور مُتقدِّما عليه فقد أخطأ، لأنّ تقدُّمَ حالِ المجرورِ عليه في الإحالةِ بمنزلةِ تقدُّمِ المجرورِ على الجار)، وقال ابن الحاجب: تقديمُ الحال على المجرور- إذا كان صاحبُ الحالِ هو المجرورَ- مختلفٌ فيه؛ فأكثرُ البصريِّين على منعِه، وكثيرٌ من النحويين على تجويزِه، ووجه الجواز: أنه حال عن معمولِ فعلٍ لفظيِّ فجاز التصرُّف فيه بالتقديمِ والتأخيرِ كسائرِ أحوالِ الأفعال.


الصفحة التالية
Icon