ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ووجه المنع: أنه كَثُرَ الحالُ من المجرورِ في كلامِهم ولم يُسمَعْ من الفصحاءِ تقديمُه، ولأنّ حالَ المجرورِ صفةٌ لصاحبِها، وهي معمولة في المعنى بحَرْف الجر، إلا أنهم نصبوها لغرضِ الفصلِ بين الصفة والحال، وكما أن معمولَ الجارِّ لا يتقدَّم عليه ففَرْعُ مَعمولِ الجارِّ بأن لا يتقدَّم على الجارِّ أجدر.
وقلت: ويمكن أن يُنزَّلَ قولُ المالكي منزلةَ الجواب عن هذين الاحتجاجَيْن، أعني قولَه: ومن أمثلةِ تقديمِ الحال على صاحبها إذا كان مجرورًا ما ذَكره أبو علي في ((التذكرة)): زيدٌ خَيْرٌ منك خَيْرَ ما يكون، فجعل ((خَيْرَ ما يكون)) حالاً من الكافِ المجرورِ، ومن الأمثلة قول الشاعر:
إِذَا المرءُ أعيَتهُ المروءةُ ناشئًا | فمطلبُها كَهْلاً عليه شديد |
أراد: فمَطْلَبُها عليه كهلاً شديدٌ، ومِن ذلك قولُ الآخر:
تسلَّيْتُ طُرًّا عنكُمُ بعْدَ بَينِكم | بذِكراكُم حتّى كأنّكم عندي |
أراد: تسلَّيتُ عنكم طُرًّا. وربَّما قُدِّم الحالُ على صاحبِه المجرورِ وعلى ما يتعلَّقُ به الجارُّ، كقوله:
غافلاَ تعرِضُ المنيةُ للمر | ءِ فيُدْعي ولاتَ حينَ إباءِ |
أراد: تعرِضُ المنيةُ للمرءِ غافلاً.
وإذا قد ثَبتَت دلائل السماعِ مستوفاة، فَلأُبَيِّن ضَعْفَ شُبَهِ المَنْعِ، فمِن ذلك: ادّعاءُ أنّ حقَّ الحال إذا عدي العامل لصاحبه بواسطة أن يعدي إليه بتلك الواسطة، فيقال للمدعي