ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك: لا نسلم هذا الحق حتى يترتب عليه التزام التأخر تعريضًا، بل حقُّ الحالِ المُشَبَّهةِ بالظرفِ أن يستغني عن واسطة، على أن الحال أشدُّ استغناء عن الواسطة، ولذلك يعمل فيها ما لا يعدي بحرف الجر كاسم الإشارة وحرف التنبيه والتشبيه والتمني.
ومن الشُّبهِ لالتزامِ التأخير: إجراءُ الحالِ المجرورِ بالحرفِ مُجرى الحالِ المجرورِ بالإضافةِ، فيقال لصاحب هذه الشبهة: المجرورُ بالحرفِ كالأصلِ للمجرور بالإضافةِ، فلا يصلُحُ أن يحمل حال المجرور بحرف عليه لئلا يكون الفرع متبوعًا والأصل تابعًا، وأيضًا فالمضافُ بمنزلةِ موصولٍ والمضافُ إليه بمنزلة صلتِه، والحالُ منه بمنزلةِ جُزءِ صلَتهِ، فوجبَ تأخيره كما يجب تأخيرُ أجزاءِ الصِّلة، وحالُ المجرورِ بحَرْفٍ لا يُشْبِهُ جزء صلة، فأجيز تقديمُه إذ لا محذورَ في ذلك.
ومن الشُّبَهِ: تَشْبيهُ بابِ: مررْتُ بهند جالسةً، ببابِ: زيدٌ في الدار متكئًا، فيقال: بين البابَيْن بَوْنٌ، فإنَّ ((جالسةً)) منصوبٌ بـ ((مَرَرْتُ))، وهو فعل مُتصرِّفٌ لا يفتقر في نصبِ الحال إلى واسطة، كما لا يفتقرُ إليها في نصب ظرفٍ أو مفعولٍ له وحَرْفُ الجر الذي عدّاه لا عمل له إلا الجر، ولا جيءَ به إلا لتعديةِ: مررت، والمجرور به بمنزلة المنصوب فيتقدم حاله كما يتقدم حال المنصوب، وأما ((متكئًا)) في المسألة الثانية فمنصوبٌ بـ ((في)) لتضمّنِها معنى الاستقرار وهي أيضًا رافعةٌ ضميرًا عائدًا على زيد، وهو صاحبُ الحالِ، فلم يَجُزْ لنا أن نقدِّمَ ((مثكئًا)) على ((في)) لأن العمل لها، وهي عاملٌ ضعيفٌ متضمِّنٌ معنى الفعلِ دون حروفِه، فمانعُ التقديم في نحوِ: زيدٌ في الدار متكئًا، غيرُ موجودٍ في نحو: مررْتُ بهندٍ جالسة، وإذا بطل قول الزجاج والزمخشري تَعيَّن القول بصحة أن يكونَ الأصل: وما أرسلناك إلا للناس كافة، فقَدَّم الحالَ على صاحبِها مع كونه مجرورًا، وهو مذهبُ أبي علي وابن كَيْسان، حكاه ابن بَرْهان، ويجوزُ غيرُه، وقال غيره: جَوَّزَ ابنُ كَيْسان وأبو علي الفارسي كون ﴿كَآفَّةً﴾ حالاً من المجرور باللامِ وهو ﴿لِلنَّاسِ﴾ من حيث إنّ العاملَ في الحالِ هو


الصفحة التالية
Icon