قلت: ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتًا لا استرشادًا، فجاء الجواب على طريق التهديد مطابقًا لمجيء السؤال على سبيل الإنكار والتعنت، وأنهم مرصدون ليوم يفاجئهم، فلا يستطيعون تأخرًا عنه ولا تقدّمًا عليه.
[وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)] ٣١ [
الذي بين يديه: ما نزل قبل القرآن من كتب الله. يروى: أن كفار مكة سألوا أهل الكتاب فأخبروهم أنهم يجدون صفة رسول الله ﷺ في كتبهم، فأغضبهم ذلك وقرنوا إلى القرآن جميع ما تقدّمه من كتب الله عز وجل في الكفر، فكفروا بها جميعا. وقيل: الذي بين يديه: يوم القيامة. والمعنى: أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله تعالى، أوأن يكون لما دلّ عليه من الإعادة للجزاء حقيقة، ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال لرسوله عليه الصلاة والسلام أو للمخاطب: (وَلَوْ تَرى) في الآخرة موقفهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تكونون مبهوتين متحيرين فيها من هول ما تشاهدون، هذا ألَيقُ بحالِكم من أن تسألوا عنه.
هذا المعنى وإن لم يعلم ظاهرًا من جواب المصنف لكن مآلُه إليه.
قوله: (ما سألوا عن ذلك وهم منكرون له إلا تعنتًا لا استرشادًا)، قولُه: ((إلا تعنُّتًا)) استثناءٌ مفرّغٌ والمستثنى منه أعمُّ الأحوال، وهذا التركيبُ مثلُ قولك: ما زيدٌ إلا قائم لا قاعدٌ، وقد أباه صاحبُ ((المفتاح))، مضى بيانُه غير مرة.
قوله: (أو أن يكون لما دل عليه)، يجوز أن تكونَ ((كانَ)) ناقصةً، واسمُه ضميرَ الشأن، و ((حقيقةُ)) بالرفعِ مبتدأ، والخبر: ((لما دلّ عليه))، والجملةُ مبينةٌ ضميرُ الشأن وخبر له، وأن تكون ناقصةً، وفاعلُها ((حقيقة))، و ((لما دل)) متعلَّق بـ ((حقيقة)).