وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم؛ لرأيت العجب، فحذف الجواب. والمستضعفون: هم الأتباع، والمستكبرون: هم الرءوس والمقدّمون.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَامُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)] ٣٢ - ٣٣ [
أولى الاسم -أعنى "نَحْنُ"- حرف الإنكار؛ لأنّ الغرض إنكار أن يكونوا هم الصادين لهم عن الإيمان، وإثبات أنهم هم الذين صدّوا بأنفسهم عنه، وأنهم أتوا من قبل اختيارهم، كأنهم قالوا: أنحن أجبرناكم وحلنا بينكم وبين كونكم ممكنين مختارين. (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) بعد أن صممتم على الدخول في الإيمان، وصحت نياتكم في اختياره؟ بل أنتم منعتم أنفسكم حظها، وآثرتم الضلال على الهدى، وأطعتم آمر الشهوة دون آمر النهى، فكنتم مجرمين كافرين؛ لاختياركم لا لقولنا وتسويلنا. فإن قلت: "إذ" و"إذا" من الظروف اللازمة للظرفية، فلم وقعت (إذ) مضافًا إليها؟ قلت: قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره، فأضيف إليها الزمان،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهم يتجاذبون أطراف المحاورة)، ينظر إلى قول الشاعر:

ولما قضَيْنا من مِنًى كلَّ حاجةٍ ومَسَّح بالأركان من هو ماسح
أخَذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا وسالت بأعناقِ المطيِّ الأباطح
أراد بأطراف الأحاديث ما يتعاطاه المُحبون وذوو الصبابة من التعريض والتلويح دون البيان والتصريح.
قوله: (قد اتُّسِعَ في الزمان ما لم يُتَّسَعْ في غيرهِ، فأضيف إليها الزمان)، قال صاحب


الصفحة التالية
Icon