..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال ابنُ الحاجبِ في ((شرح المفصل)): هل زيدٌ خرَج؟ شاذّ، فهو على شُذوذِه مُقَدَّرٌ على ما ذكَره، وإنّما لم يحسُنْ عندَهم: هل زيدٌ خرج؟ وشِبْهُه إما لأنّ ((هل)) بمعنى ((قَدْ)) على ما يقولُه سِيبَويْه، فكانت بالفعل أولى، فإذا وقعَ بعدَها الاسمُ كان وقوعُه بعد ((قد)) ولا يسوغُ ذلك، فلا يسوغُ هذا، وإما لأنّ ((هل)) موضوعٌ للاستفهام مُقْتَضٍ للفعلِ في المعنى، فكان ذِكْرُ الفعلِ بعده لفظًا هو القياسَ، ولا يَرِدُ عليه: أزيدٌ خرَج؟ فإنَّ الهمزةَ تَصرفوا فيها ما لم يتَصرَّفوا فيها في ((هل)).
وقلت: شهدَ هذا القائلُ على نفسهِ أنه خارجٌ من زُمرةِ البُلغاء، ولله درُّ صاحب ((المفتاح)) حيثُ تَفرَّس لمثْل هذا وقال: ولكَوْنِ ((هل)) أدعي للفعلِ من الهمزةِ لا يحسُن: هَل زيدٌ منطلقٌ، إلاّ من البليغ.
ولما ثبتَ أنّ ((هل)) أدعي للفعلِ من الهمزةِ، فتَرْكُ الفعلِ معَه يكونُ أدْخَل في الإنباء لاستدعاء المقام عدم التجدد، يعني: في قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٨٠]، ونَحْوُه: ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١]، وقوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ [الرحمن: ٦٠]. وقَوْلُ تأبّط شَرّاً:
هل أنتَ باعثُ دينار لحاجتنا
وأما قولُ سِيبَويْه: ((هل)) بمَعْنى: ((قد))، فمَعْناه: أنّ ((هل)) مَتضمِّنةٌ لمعنى ((الهمزة)) و ((قد))، فإذا جُرِّدَتْ منها خَلُصَتْ لمعنى ((قد))؛ ألا ترى إلى قولِ المصنِّف في قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ﴾ [الإنسان: ١]: الأصل أهَل؟ والمعنى: ((أقَد أتى)) يدلُّ عليه أنك لا تُقدِّر الهمزةَ م. ع ((قَدْ)) في مثل ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾، كما تقدر في ﴿هَلْ أَتَى﴾، فإذَنْ يسوغُ في ((هل))