فإن قلت: هل فيه دليل على أنّ الخالق لا يطلق على غير الله عز وجل؟ قلت: نعم، إن جعلت (يَرْزُقُكُمْ) كلامًا مبتدأ، وهو الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة. وأمّا على الوجهين الآخرين: وهما الوصف والتفسير. فقد يقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض، وخرج من الإطلاق، فكيف يستشهد به على اختصاصه، بالإطلاق؛
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما لا يسوغُ في ((قد))، فيقال: هلْ زيدًا ضربْتَ؟ ولا يقال: قَد زيدًا ضربْتُ. ونصَّ بخلافهِ ابنُ الحاجب أيضًا في قِسْم الحروف.
قولُه: (فكيفَ يُستشهَدُ به على اختصاصِه بالإطلاق)، أي: كيف يُستشهَدُ به على اختصاصِ الله بإطلاقِه عليه وقد تَقيّد بقَيْدِ ((يرزقُكم)) فإن المعنى على وجهَيْن: ليس خالقٌ سوى الله صفتُه أنّه يرزقُكم، فيُفْهمُ أن هناك خالقًا سوى الله ليسَ برازق. وأمّا على الابتداءِ فمعناه: ليسَ خالقٌ سوى الله موجودًا.
فاتّجه لسائلٍ أن يقول: لِمَ لَمْ يكُنْ غيرُه خالقًا؟ فقيل: لأنّه يرزقُكم من السماءِ والأرض؛ لأن الخالقَ يَنْبغي أن يكونَ رازقًا، فإنَّ صفةَ الرزاقيّةِ كالتتميمِ للخالقية. هذا هو الوجهُ الفصيحُ القويُّ وعليه مذهبُ أهل الحقّ.
الانتصاف: القَدريُّ يقول: نعم، [ثَمَّ] خالقٌ غَيْرُ لله. وكلُّ أحدٍ عندَهم يخلُقُ، ولهذا وَسَّعَ الدائرة وأتى بالأوجهِ النافرة، والذي يُحقِّقُ الوجْهَ الثالثَ المانعَ من إطلاقِ الخالقِ على غيرِ الله: أنَّ المُخاطبينَ مُشركون إذا سُئلوا: مَنْ خَلقَ السماواتِ والأرض؟ قالوا: الله، وإذا سُئلوا: من يرزُقُ منهما؟ قالوا: الله، فقُرِّروا بإقامةِ الحُجّةِ عليهِم بإقرارِهم، ولو كانَ كما قالَ الزَّمخشريُّ لكانَ مفهومُه إثباتَ خالقٍ غيرِ الله، لكن لا يرزق، وهؤلاءِ الكَفَرةُ قد تَبرّءوا منه فلا لتقريعهم بما لا يلائِمُ قوْلَهم، وأيضًا فإنّ ﴿يَرْزَقُكَم﴾ و ﴿لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ جَمْلتانِ سيقتا مَساقًا واحدًا والثانية مفصولةٌ اتفاقًا فكَذا الأُولى.
وقلت: قد أحسنَ وأجادَ حيثُ نظرَ إلى النَّظْم.