والرزق من السماء: المطر، ومن الأرض: النبات. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة مفصولة لا محل لها، مثل: (يرزقكم) في الوجه الثالث، ولو وصلتها كما وصلت (يرزقكم) لم يساعد عليه المعنى؛ لأنّ قولك: هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق، غير مستقيم؛ لأن قولك: هل من خالق سوى الله؟ إثبات لله. فلو ذهبت تقول ذلك كنت مناقضًا بالنفي بعد الإثبات. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ): فمن أى وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (والرزقُ من السماءِ المطر)، قيل: إن جُعِلَ الرزقُ مصدرًا فالمضافُ من الخبرِ محذوفٌ أي: إنزالُ المطرِ وإنباتُ وإن جَعلْتَه اسمًا بمعنى المرزوقِ فلا حاجةَ إلى التقدير.
قولُه: (فلو ذهَبْتَ تقولُ ذلك لكُنْتَ مناقِضًا)، وذلكَ أنّ الصفةَ هاهنُا مُميِّزة، والاستفهامُ مؤكِّدٌ للأنكار، وفيه معنى النفي، لأنّ الكلامَ مع المُعانِدين، ولذلك زيدَ ((مِنْ)) الاستغراقية، فإذا أنكَرْتَ أن يكونَ خالقًا غيْر الله، يلزَمُ منه إثباتُ ذاتهِ عزَّ وجل، وهو المرادُ من قولهِ: ((هل مِنْ خالقٍ سوى الله؟ إثباتٌ الله)) ثمَّ إذا رجَعْتَ ومَيَّزْتَه مرّةً أُخرى بقولك: ((لا إله إلا ذلك الخالقُ)) لزِمَ نَفْيُ ما أثبتَّه أولاً، وهو المرادُ بقولِه: ((لكُنْتَ مناقِضًا بالنفيِ بعدَ الإثبات)).
قال صاحبُ ((التقريب)): في لزومِ التناقضِ نَظَر، إذ التقدير: لا خالقَ مُنْفَرِدًا بالإلهية إلاّ الله على الاستثناء أو مغايرًا لله على الوصف، ولا تناقُضَ فيه. نعم، لو فصّلْتَ مع عَوْدِ الضميرِ إلى الخالق المغاير لزم، أما معَ الوصل فلا.
قلت: ويُمكنُ أن يقال: إنَّ قولَك للمشرك: هل مِنْ خالقٍ سوى الله، إثباتٌ لله بِوَصْفِ المُغايَرة؛ لأنَّ المُغايَرةِ إثباتُ المُتغايرَيْن، فيلزَمُ منه إثباتُ الله، ثم إذا قُلْت: ((لا إله إلا ذلك الخالقُ)) يلزَمُ منه نَفْيُ الله، أما إذا الإثباتُ ناشئًا من الإنكارِ الواردِ على الموضوفِ والصفةِ معًا لزِمَ ما ذَكرَه صاحبُ ((التقريب)).


الصفحة التالية
Icon