فكأن رسول الله ﷺ قال: لا، فقال: (فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ). ومعنى تزيين العمل والإضلال واحد، وهو أن يكون العاصي على صفة لا تجدى عليه المصالح، حتى يستوجب بذلك خذلان الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عليه لإنكارِ المساواةِ وتقريرِ البَوْنِ العظيمِ بين الفريقَيْن، وأن المختارَ من الوجوهِ المذكورة في ((المفتاح)): تقديرُ ((كمن هَداهُ الله))، فحَذفَ لدلالة: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾. قال مُحيي السُّنّة: في الآية حَذْفٌ مجازه: أفمن زين له سوء عمله فرأى الباطلَ حقًّا كمَنْ هَداه الله فرأى الحقَّ حقًّا والباطلَ باطلاً، فإنّ الله يُضِلُّ مَنْ يشاءُ ويَهْدي من يشاء.
وقال أيضًا: معنى الآيةِ: فلا تغتَمَّ بكُفرهِم وهلاكِهم، وهو المرادُ من قولِ المصنِّف: وإذا خذلَ الله المُصمِّمين على الكفرِ وخَلاّهم وشأنَهم، فإنّ على الرسولِ أن لا يهتمَّ بأمرهم. وفيه التسلِّي والتخلِّي من الاهتمامِ بشأنِ المدعوِّ فلا يدخلُ فيه العاصي من أمةِ محمد صلى الله عليه وسلم، فلا وَجْه لقوله: ((وهو أن يكونَ العاصي على صفةٍ لا تجدي عليه المصالحُ)) إلى آخره، لأن معناه: يكون العاصي على وجهٍ لا ينتفعُ من رعايةِ المصالحِ التي أوجبَها الله على نفسِه بوجهٍ من الوجوه. فقولُه: ((لا تُجدي)) إلى آخرِه صفةٌ لصفةٍ، والعائدُ محذوفٌ، أي: معها.
قولُه: (فكأنَّ رسولَ الله ﷺ قال: لا)، واعلَمْ أنّ الفاءَ في قولِه: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ﴾ رابطةٌ للجملةِ التاليةِ بالسابقة، وقد وُسِّطَتْ همزةُ الإنكارِ بينهما، و ((مَنْ)) موصولة، والفاء ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ جَزائية، ولا يستقيمُ أن تكونَ خبرًا لها، لأنّ الإنكارَ دافعه، فيجبُ أن تُقدَّرَ خبرًا لها، وشرطًا للجزاءِ. والمُنْكَرُ ما كان يرتكبُه صلواتُ الله عليه من الحرْصِ على الإيمانِ القومِ وتهالُكهِ في أن يسلكَ الضَّالين في زمرةِ المهتَدِين فقيلَ له على سبيلِ الإنكار: أفمَنْ زُيِّن له سوءُ عَملِه من هذَيْن الفريقَيْن كمَن لم يُزَيَّن له، فلا بُدَّ مِنْ أن يُقِرَّ بالنفيِ ويقول: لا، فحينئذٍ يقالُ له: فإذا كان كذلك ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾، فقَدَّم وأخَّر، وما أوضَحَه مِن دليلٍ على مذهَبِ أهلِ السنة.


الصفحة التالية
Icon