وتخليته وشأنه، فعند ذلك يهيم في الضلال، ويطلق آمر النهى، ويعتنق طاعة الهوى، حتى يرى القبح حسنًا والحسن قبيحًا، كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه، ويقعد تحت قول أبى نواس:
اسقني حتّى تراني... حسنا عندي القبيح
وإذا خذل الله المصممين على الكفر وخلاهم وشأنهم؛ فإنّ على الرسول أن لا يهتم بأمرهم ولا يلقى بالًا إلى ذكرهم، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم؛ اقتداء بسنة الله تعالى في خذلانهم وتخليتهم. وذكر الزجاج: أنّ المعنى: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب؛ لدلالة (فلا تذهب نفسك) عليه.
أو: أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله، فحذف لدلالة (فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) عليه. (حسرات): مفعول له، يعنى: فلا تهلك نفسك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (سُلِبَ تَمْييزَه)، ((تمييزَه)) نَصْبٌ على أنه تَمْييز، وإن كانَ معرفةً، كقولِه تعالى: ﴿إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ [البقرة: ١٣٠].
قولُه: (ويَقعدُ تحتَ قولِ أبي نُواس)، الأساس: إنّ حَسَبَكَ لَمُقعِدُك عن بُلوغِ الشرفِ، وما يُقْعِدُه وما اقتعَدَه إلا لُؤْمُ عَنْصُرِه، وقبله:
غَرَّدَ الديكُ الصَّبوحُ... فاسقِني طابَ الصَّبوحُ
قَهْوةً تُذْكِرُ نَوحًا... حين شادَ الفُلْكَ نوحُ
نَحْنُ نُخْفيها فتأتي... طيبُ ريحٍ فتَفوحُ
اسقِني حتى تَراني... حَسنًا عندي القَبيحُ
قيل: ((حسنًا)) مفعولٌ ثانٍ لـ ((تَراني))، و ((القبيحُ)) فاعلُ ((حسنًا))، يقولُ للساقي: اسقِني حتى يكونَ القبيحُ عندي حَسَنًا.