للحسرات. و (عليهم) صلة (تذهب)، كما تقول: هلك عليه حبًا، ومات عليه حزنًا. أو هو بيان للمتحسر عليه. ولا يجوز أن يتعلق بـ (حسرات)؛ لأنّ المصدر لا يتقدم عليه صلته، ويجوز أن يكون حالًا، كأن كلها صارت حسراٍت لفرط التحسر، كما قال جرير:

مشق الهواجر لحمهنّ مع السرى حتّي ذهبن كلاكلا وصدورا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (وذكرَ الزجّاج)، والمذكورُ في ((كتابه)): الجوابُ هاهُنا على ضربَيْن: أحدُهما يدلُّ عليه: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾، ويكونُ المعنى: أفمَنْ زُيِّنَ له سوءُ عملِه كمَنْ هداه الله، ويكونُ دليلُه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ﴾.
وقلت: فيه تنبيهٌ على أنّ كلَّ واحدٍ من الجُمَلِ المدخولِ عليها الفاء لا يصحُّ أن يكونَ جوابًا لمانِع معنى الإنكارِ في الهمزة.
قولُه: (هلكَ عليه حُبًّا وماتَ عليه حُزنًا)، قال صاحب ((الفرائد)): التقدير: لا تذهَبْ نفسُك واقعةً عليهم حَسرات؛ لأن المُحِبَّ يَنْحني إلى المحبوب إذا أشرفَ على الهلاك وإذا بالغَ في الميل إليه وقعَ عليه.
قولُه: (أو هو بيانٌ للمُتحسَّرِ عليه)، فإنّه لما قيلَ له صلواتُ الله عليه: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ فقال: على مَنْ؟ فقيل: عليهم، على أنّ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ يُفَسِّره هذا الظاهرُ بناءً على أنّ ((حَسَراتٍ)) لا يعمَلُ فيما قبلَه لكونِها مصدرًا، ويجوزُ أن يُضَمَّنَ ((تذهَب)) معنى: ((تحسَّر)) بوساطةِ ((على))، وأنّ الأصل: فلا تتحَسَّرْ عليهم ذهابًا بنفسك، أي: هالِكًا. وأما قولُه: كما تقولُ: هلكَ عليه حُبًّا، فمِن بابِ المجازِ لا التضمين.
قولُه: (مَشَقَ الهواجرُ) البيت، المَشْقُ: السرعةُ في الطعنِ والضربِ والكاتبة. أي: بَرى لحومَهُنَّ السيرُ في الهواجرِ والسُّرى في الليالي حتى رجَعْنَ ولم يَبْقَ منهن إلا كلا كلُها وصدورُها.


الصفحة التالية
Icon