يريد: رجعن كلاكلًا وصدورًا، أى: لم يبق إلا كلاكلها وصدورها. ومنه قوله:

فعلى إثرهم تساقط نفسي حسرات وذكرهم لي سقام
وقرئ: (فلا تذهب نفسك). (إِنَّ الله عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ): وعيد لهم بالعقاب على سوء صنيعهم.
(وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ)] ٩ [
وقرئ: (أرسل الريح). فإن قلت: لم جاء (فَتُثِير) على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت: لتحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية، وهكذا يفعلون بفعل فيه نوع تمييز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (فعلى إثْرِهم) البيت، ((إثرِهم)): أي: عَقِبِهم، ((تَساقطُ))؛ أي: تتساقَطُ، و ((حَسَراتٍ)) حالٌ من ((نَفْسي)). يقول: إن الأحبةَ رحَلوا ونَفسي تتساقَطُ حَسَراتٍ في عَقِبِهمْ، وذكْرُهم سَقامٌ لي بعْدَهم.
قولُه: (وقُرئ: ((أرسلَ الريحَ)))، حمزةُ والكِسائيُّ وابن كثير.
قولُه: (وهكذا يفعلون)، يريد: أنَّ كلَّ فعلٍ ماضٍ إذا أريدَ به نوعُ خصوصية بحال -إمّا أن تكونَ مُستغربةً أو مهتمًّا بشأنِها أو غيرَ ذلك- يُعدلُ منه إلى المضارعِ ليؤذِنَ بأنّ هناك نُكتةً سَرِيّة؛ إما الاستغرابُ كما تنبئُ عنه هذه الآيةُ وقَوْلُ تأبَّط شرًّا لما استحضرَ منهما الحالةَ العجيبةَ الشأنِ في ذهنِ السامع وجُعِلتا مشاهدتَيْن لنظرِه، وإما الاهتمامُ كما في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ [السجدة: ١٢]، لاقتضاءِ ((لو)) معنى المُضيٍّ؛


الصفحة التالية
Icon