ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إشعار بأن الخطاب بقوله: ﴿كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ مع المخالفين، والتعريف في ((العزةِ)) الأولى: للجنسِ، وفي الثانية: للاستغراق، بشهادةِ قوله: ﴿جَمِيعًا﴾، وأنّ تقديمَ الخبرِ على المبتدأِ في قوله: ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ لاختصاصِ العزّةِ بالله أصالةً ورسولِه تَبَعًا باقتضاءِ المقام، ولهذا قال: ((أن لا عِزّةَ إلا لله ولأوليائِه))، وأنَّ قوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ كالبيانِ لطريقِ تَحصيلِ العزّةِ وسلوكِ السبيلِ إلى نَيْلِها.
واعلَمْ أنَّ في انتظام قَوْلِه: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ بما قبله نظرًا دقيقًا يحتاجُ إلى فَضْلِ تأمُّل.
نقلَ مُحيي السُّنة في ((تفسيره)) عن أبي العالية: أنها في الذين مكَروا برسولِ الله ﷺ في دارِ الندوةِ، كما قال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠].
وروى عن مُجاهدٍ وشَهْرِ بن حَوْشَب: هم أصحابُ الرِّبا.
ومختارُ المصنِّفِ القولُ الأولُ.
فحينئذٍ قولُه: ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ الآية كالاستطراد والتقرير لمضمون الأولى على طريقِ الاستشهادِ والتمثيل، وفي إخراجِ الكلامِ مخرجَ الشرطِ نوعُ توبيخ وتنبيهٌ للمخاطَبين على خطأِ رأيِهم وفسادِ طريقتِهم وتَضْليلهم فيما هم فيه من طلبِ العزّةِ من غيرِ موضعِها ومكانِها، كأنه قيل: أيها الضالّون تنبَّهوا على خطئِكم وتيقَّنوا أنْ ليسَ الوصولُ إلى المطلوبِ ما أنتُم عليه من رَوْمِ العزّةِ من عندِ غيرِ الله، لأنّ العزةَ كلَّها ملكُ الله ومُختصّةٌ به وبأوليائِه، وطريقُ الوصولِ إليها الإيمانُ والعملُ الصالحُ، واعلَموا أنَّ مَنْ أعزَّهُ الله فلا مُذِلَّ له ومَنْ أذلَّه مُعزَّ له.
ألا تروْنَ إلى قريشٍ حين بَذَلوا جُهَيْداهُم في إطفاءِ نورِ الله وإذلالِ مَنْ أعزَّه الله ورفَعَ مِنْ قَدْرِه، ومكَروا تلك المنكراتِ السيئاتِ من الإثباتِ والقتلِ والإخراجِ، وأبى الله إلا أن


الصفحة التالية
Icon