في دار الندوة وتداوروا الرأى في إحدى ثلاث مكرات يمكرونها برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إما إثباته، أو قتله، أو إخراجه كما حكى الله سبحانه عنهم (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)] الأنفال: ٣٠ [. (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) يعنى: ومكر أولئك الذين مكروا تلك المكرات الثلاث هو خاصة يبور، أى: يكسد ويفسد، دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر، فجمع عليهم مكراتهم جميعًا، وحقق فيهم قوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْماكِرِينَ)] الأنفال: ٣٠ [، وقوله: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)] فاطر: ٤٣ [.
[وَالله خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ)] ١١ [
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (في دار الندوة)، هي الدار التي بناها قُصَيٌّ بمكّةَ كانوا يجتمعون فيها للمُشاورة، يقال: ندَوْتُ القومَ، أي: جمعْتُم.
قولُهك (إما إثباتُه)، المغرب: أثبتَ الجَريح: أوْهَنه حتى لا يقدِرَ على الحِراك، ومنه قولُ محمد: أثبته الأول وذفف عليه الثاني، وفي التنزيل: ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠]، ليجرحوك جراحة لا تقوم معها.
قولُه: (يبورُ، أي: يكسد)، الأساس: فلانٌ له نوره وعليك بروُه، أي: هلاكُه. ومن المجاز: بارَتِ البِياعاتُ؛ كسَدَت، وبارتِ الأرضُ؛ إذا لم تُزْرَعْ، وأرضٌ بَوار.
وقال الراغب: البَوار: فَرْطُ الكَساد، ولمّا كان فرطُ الكسادِ يؤدِّي إلى الفسادِ، كما قيل: كَسدَ حتى فَسد، عَبَّر بالبوارِ عن الهَلاك، قال تعالى: ﴿تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾.
وقلت: ﴿لَّن تَبُورَ﴾ على هذا ترشيحٌ لاستعارةِ التجارةِ بمزاولةِ الطاعة، وعلى ما في ((الأساس)) يقربُ أن يكونَ تجريدًا لها.


الصفحة التالية
Icon