(أَزْواجاً) أصنافًا، أو ذكرانًا وإناثًا، كقوله: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً)] الشورى: ٥٠ [، وعن قتادة: زوج بعضهم بعضًا. (بِعِلْمِهِ) في موضع الحال، أى: إلا معلومة له. فإن قلت: ما معنى قوله: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ)؟ قلت: معناه: وما يعمر من أحد. وإنما سماه معمرًا بما هو صائر إليه. فإن قلت: الإنسان إما معمر، أى: طويل العمر، أو منقوص العمر، أى: قصيره. فأما أن يتعاقب عليه التعمير وخلافه فمحال، فكيف صح قوله: (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ)؟ قلت: هذا من الكلام المتسامح فيه، ثقة في تأويله بأفهام السامعين، واتكالًا على تسديدهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (إلا معلومة)، أي: هو حالٌ من ﴿أُنثَى﴾ فاعل ﴿تَحْمِلُ﴾ و ﴿تَضَعُ﴾، و ((مِنْ)) زائدة، لأنّ ((ما)) نافية.
فإن قلت: سياقُ الكلام يقتضي أن يكونَ حالاً من المحمولِ والموضوعِ لأنهما مفعولانِ مُقدَّرانِ، والكلام فيهما لا في الأنثى، لقوله: ﴿خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ و ﴿جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾.
قلت: لا يخلو المُقدَّرُ أن يكونَ منويًا أوْ لا، فإن كان الثاني فلا يقَعُ عنه الحالُ، وإن كانَ الأول فإثباتُ العلْمِ على المحمولِ والموضوعِ بإثباتِ العلم بالحاملِ والواضعِ لأجْلِها أبلَغُ من إثباتِه لهما ابتداءً، كما سبق في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا﴾ [البقرة: ٢٨]، والذي يَقتضيه مقامُ الخطابِ بقولهِ: ﴿خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ وقوله: ﴿جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ هذا الثاني كما سَيجيء.
قولُه: (هذا من الكَلام المُتسامَح فيه، ثقةً في تأويلهِ بأفهامِ السامعين) وعن بعضِهم: مثالُه قولُ القائل: له عليَّ درهمٌ ونِصْفُه، فإنّ الضميرَ يعودُ إلى درهمٍ آخر. وفي ((المطلع)): قال الفرّاء: يريد آخرَ غيرَ الأولِ فكَنى عنه كأنه الأولُ، لأنّ لفْظَ الثاني لو ظهر كان كالأول، وجازَ لأمنِ الإلباسٍ، كأنه قيل: لا يطولُ عُمُر أحدٍ ولا ينقُصُ من عُمرِ أحدٍ، وهذا كما يقال: ما تنعَّمُتُ بلدًا ولا اجتَويتُه، أي: اجتويْتُ بلدًا آخر.


الصفحة التالية
Icon