..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تلك الورطةِ المُهلكة، وثَلَّث بقوله: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ﴾ على إرادةِ وما يُعَمَّرُ منكم أيُّها الإنسان مَنْ يُعَمَّرُ ﴿لَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ إثباتًا لقضائهِ وقَدَرِه وأنَّ ما هو من خويصّةِ الإنسانِ الذي هو أعظمُ مطالبِه ليس إليه بل إلى الله وإلى قضائه، وأنه مُثبتٌ عنده لا يزيدُ ولا ينقصُ عما هو عليه ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤].
فعُلِمَ من قولِنا خُوَيْصّةِ الإنسانِ أنَّ ((مُعمَّرًا)) محمولٌ على الجنس، أي: ما مِنْ شأنِه أن يُعَمَّرَ وأن يُنْقَصَ من عُمرِه وإليه يُنظر قولُ أبي الطيب:

ومَقانبٍ بمَقانبٍ غادَرْتها أقواتُ وحشٍ كُنَّ من أقواتها
فإنّ الوحشَ منها جنسٌ شائعٌ في مأكولِ اللحم وغيرِه شَرْعاً؛ ليصحَّ أن يكونَ قوتًا للإنسانِ، والإنسانُ له أحرى وإلا لَزِمَ أن يكونَ الأكلُ عَيْنَ المأكول، ولأنّ عوْدَ الضميرِ من ((كُنَّ)) إلى الوحشِ يوجبُ أن يكونَ جِنسًا.
وإما بمعنى الزيادةِ في العمرِ بالصدقةِ وصلَةِ الرحِمِ على ما وردَ عليه الألفاظُ النبوية فَبيانٌ وإعلامٌ لما قُدِّرَ في الكتابِ من مَدِّ العَمرِ ونُقصانِه وما يتَّصلُ بهما من الأسبابِ المُثبتةِ فيه وينصرُه ما رَوَيْنا عن التِّرمذي عن أبي خِزامةَ قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ رُقي نَسْترقي بها، ودواءً نَتداوى بها، وتقاةً نتَّقيها هل تَردُّ مِن قَدَرِ الله شيئا؟ قال: ((هو مِنْ قَدَر الله)).
وأما معنى قولِ كعب: فهو أنَّ عمرَ رضيَ الله عنه لو دَعا الله ووافَقه القَدرُ لأُخِّرَ في أجَلِه لأنه كان رفيعَ القَدْرِ مُستجابَ الدعوة. ونَحْوُه ما رَوى البخاريُّ ومُسلم وأبو داودَ والنَّسائي عن أنس بن مالك: أنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَه كَسَرتْ ثَنِيّةَ جاريةٍ فطلبوا إليها العَفْوَ فأَبوْا، فعَرضوا الأَرْشَ، فأَتوْا رسولَ الله ﷺ وأبَوْا إلا القِصاص، فأمرَ رسولُ الله ﷺ بالقِصاص، فقال أنسُ ابنُ النَّضْر: يا رسولَ الله أتُكْسَرُ ثَنِيّةُ الرُّبَيِّعِ؟ ! لا والذي بعثَك بالحقِّ لا تُكْسَرُ


الصفحة التالية
Icon