..................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثَنِيُّتُها. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أنسُ، أليسَ كتابَ الله القِصاصُ؟ فرضِيَ القوم فعفَوْا، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِنْ عبادِ الله مَنْ لو أقسَمَ على الله لأبرَّه))، هذه روايةُ البخاريِّ، وروى مسلمٌ قريبًا منه.
وأما قولُه: فقد قال: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ﴾ في جواب من قال: أليس قد قال الله: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤]، فتفسيرُه ما روى مُحيي السُّنة في ((المعالم)) بعد هذا المذكورِ في ((الكشاف)): فقيل له: إنّ الله يقول: ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ فقال: هذا إذا حضرَ الأجلُ، فأمّا ما قبلَ ذلك فيجوزُ أن يُزادَ ويُنقَصَ، وقرأ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.
وروى الشيخُ مُحيي الدِّين في ((شرح صحيح مسلم)) عن بعضِ العُلماءِ أنه قال: قد تقرَّرَ بالدلائلِ القاطعةِ أنّ الله تعالى عالمٌ بالآجالِ والأرزاقِ وغيرِها، وحقيقةُ العلم: معرفةُ المعلومِ على ما هو به، فإذا علِمَ الله تعالى أنَّ زيدًا يموتُ سنةَ خمس مئةٍ استحالَ أن يموتَ قبْلَها أَو بعْدَها، فاستحالَ أنّ الآجالَ التي عليها عِلْمُ الله أن تزيدَ أو تنقصُ، فتعيَّن تأويلُ الزيادةِ أنّها بالنسبةِ إلى ملَكِ الموتِ أو غيرِه ممّن وكِّلَ بقَبْضِ الأرواحِ وأمرَهُ بآجالٍ محدودة، فإنه تعالى بعد أن يأمُرَه بذلك أو يثبتَ في اللوح المحفوظ ينقصُ منه أو يزيدُ على ما سبقَ به علمُه في كلِّ شيء، وهو معنى قوله: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ [الرعد: ٣٩]، وعلى ما ذكرناه يُحملُ قولُه: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ﴾ [الأنعام: ٢].
وقال الراغب: القضاءُ من الله أخصُّ من القدر؛ لأنّه الفَصْلَ بين التقدير، والقدر هو التقدير، والقضاء هو التفصيلُ والقطع، وقد ذكر بعضُ العلماءِ أنَّ القَدَر بمَنزلة المُعَدِّ للكَيْل، والقضاء بمنزلة الكيل، ولهذا قال أبو عُبيدةَ لعُمر رضيَ الله عنهما لما أرادَ الفِرار من الطاعون بالشام: أتفِرُّ من القضاء؟ قال: أفِرُّ مِن قَضاءِ الله إلى قَدَرِ الله، تنبيهًا على أنّ القَدَر


الصفحة التالية
Icon