ذكر الحميد؛ ليدل به على أنه الغنى النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه. (الحميد) على ألسنة مؤمنيهم. (بِعَزِيز): ٍ بممتنع، وهذا غضب عليهم؛ لاتخاذهم له أندادًا، وكفرهم بآياته ومعاصيهم، كما قال: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)] محمد: ٣٨ [، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئًا.
[(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله الْمَصِيرُ)] ١٨ [
الوزر والوقر أخوان؛ ووزر الشيء: إذا حمله. والوازرة: صفة للنفس، والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلا وزرها الذي اقترفته، لا تؤخذ نفس بذنب نفس، كما تأخذ جبابرة الدنيا الولي بالولى، والجار بالجار. فإن قلت: هلا قيل: ولا تزر نفس وزر أخرى؟ ولم قيل (وازرة)؟ قلت: لأن المعنى: أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلا حاملة وزرها، لا وزر غيرها. فإن قلت: كيف توفق بين هذا وبين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قولُه: (ذكرَ الحَميدَ؛ ليدلَّ به على أنَّه الغنيُّ النافع بغِناه خَلْقَه)، وهو من التكميلِ، كقولِ كَعْب الغَنَوي:

حليمٌ إذا ما الحِلْمُ زَيَّنَ أهْلَه مع الحِلْمِ في عَيْنِ العَدوِّ مَهيبُ
فإنّه رأى أنَّ الوصفَ بمُجَرَّدِ الحِلْم غيرُ واف، فكَمَّل بقَوْله: ((في عَيْنِ العدوِّ مَهيب)).
قولُه: (لا ترى منهنَّ واحدةً إلا حاملةً وزْرَها، لا وِزْرَ غيرِها)، هو مثلُ قَوْلك: ما زيدٌ إلا قائمٌ لا قاعد.


الصفحة التالية
Icon